@ 414 @ .
{ وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبّكَ فَتَخْشَى } : هذا تفسير للتزكية ، وهي الهداية إلى توحيد الله تعالى ومعرفته ، { فَتَخْشَى } : أي تخافه ، لأن الخشية لا تكون إلا بالمعرفة ، { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء } . وذكر الخشية لأنها ملاك الأمر ، وفي الكلام حذف ، أي فذهب وقال له ما أمره به ربه ، وأتبع ذلك بالمعجزة الدالة على صدقه . { فَأَرَاهُ الاْيَةَ الْكُبْرَى } : وهي العصا واليد ، جعلهما واحدة ، لأن اليد كأنها من جملة العصا لكونها تابعة لها ، أو العصا وحدها لأنها كانت المقدمة ، والأصل واليد تبع لها ، لأنه كان يتقيها بيده . وقيل له { ادْخُلِ * يَدَكَ فِى جَيْبِكَ } . { فَكَذَّبَ } : أي فرعون موسى عليه السلام وما أتى به من المعجز ، وجعل ذلك من باب السحر ، { وَعَصَى } الله تعالى بعدما علم صحة ما أتى به موسى ، وإنما أوهم أنه سحر . { ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى } ، قيل : أدبر حقيقة ، أي قام من مكانه فاراً بنفسه . وقال الجمهور : هو كناية عن إعراضه عن الإيمان . { يَسْعَى } : يجتهد في مكايدة موسى عليه السلام . { فَحَشَرَ } : أي جمع السحرة وأرباب دولته ، { فَنَادَى } : أي قام فيهم خطيباً ، أو فنادى في المقام الذي اجتمعوا فيه معه . { فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ الاْعْلَى } ، قال ابن عطية : قول فرعون ذلك نهاية في المخرقة ، ونحوها باق في ملوك مصر وأتباعهم . انتهى . وإنما قال ذلك لأن ملك مصر في زمانه كان اسماعيلياً ، وهو مذهب يعتقدون فيه إلهية ملوكهم ، وكأن أول من ملكها منهم المعز بن المنصور بن القائم بن المهدي عبيد الله ، ولاهم العاضد وطهر الله مصر من هذا المذهب الملعون بظهورالملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب بن سادي ، رحمه الله تعالى وجزاه عن الإسلام خيراً . .
{ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الاْخِرَةِ وَالاْوْلَى } ، قال ابن عباس : الآخرة قوله : { مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إِلَاهٍ غَيْرِى } ، والأولى قوله : { أَنَاْ رَبُّكُمُ الاْعْلَى } . وقيل العكس ، وكان بين قولتيه أربعون سنة . وقال الحسن وابن زيد : نكال الآخرة بالحرق ، والأولى يعني الدنيا بالغرق . وقال مجاهد : عذاب آخرة حياته وأولادها . وقال أبو زرين : الأولى كفره وعصيانه ، والآخرة قوله : { أَنَاْ رَبُّكُمُ الاْعْلَى } . وقال مجاهد عبارة عن أول معاصيه ، وآخرها : أي نكل بالجميع ، وانتصب نكال على المصدر والعامل فيه { فَأَخَذَهُ } لأنه في معناه وعلى رأي المبرد : بإضمار فعل من لفظه ، أي نكل نكال ، والنكال بمعنى التنكيل ، كالسلام بمعنى التسليم . وقال الزمخشري : { نَكَالَ الاْخِرَةِ } هو مصدر مؤكد ، ك { وَعَدَ اللَّهُ } ، و { صِبْغَةَ اللَّهِ } ، كأنه قيل : نكل الله به نكال الآخرة والأولى . انتهى . والمصدر المؤكد لمضمون الجملة السابقة يقدر له عامل من معنى الجملة . { إِنَّ فِى ذَلِكَ } : فيما جرى لفرعون وأخذه تلك الأخذ ، { لَعِبْرَةً } : لعظة ، { لّمَن يَخْشَى } : أي لمن يخاف عقوبة الله يوم القيامة وفي الدنيا . .
قوله عز وجل : { أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا رَفَعَ * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالاْرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعاً لَّكُمْ وَلاِنْعَامِكُمْ * فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ مَا سَعَى * وَبُرّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى * فَأَمَّا مَن طَغَى * وَءاثَرَ الْحَيَواةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِىَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِىَ الْمَأْوَى * يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبّكَ مُنتَهَاهَا * إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا * كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا } . .
الخطاب الظاهر أنه عام ، والمقصود الكفار منكر والبعث ، وقفهم على قدرته تعالى . { أَشَدُّ خَلْقاً } : أي أصعب إنشاء ، { أَمِ السَّمَاء } ، فالمسؤول عن هذا يجيب ولا بد السماء ، لما يرى من ديمومة بقائها وعدم تأثيرها . ثم بين تعالى كيفية خلقها . { رَفَعَ سَمْكَهَا } : أي جعل مقدارها بها في العلوّ مديداً رفيعاً مقدار خمسمائة عام ، والسمك : الارتفاع الذي بين سطح السماء التي تليها وسطحها الأعلى الذي يلى ما فوقها ، { فَسَوَّاهَا } : أي جعلها ملساء مستوية ، ليس فيها مرتفع ولا منخفض ، أو تممها وأتقن إنشاءها بحيث أنها محكمة الصنعة . { وَأَغْطَشَ } : أي أظلم ، { لَيْلَهَا } . { وَأَخْرَجَ } : أبرز ضوء شمسها ، كقوله تعالى : { وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا } ، وقولهم : وقت الضحى : الوقت الذي تشرق فيه الشمس . وأضيف الليل والضحى إلى السماء ، لأن الليل ظلها ، والضحى هو نور سراجها . .
{ وَالاْرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ } : أي بعد خلق السماء وما فعل فيها ، { دَحَاهَا } :