@ 354 @ نصف الليل ، رجع الضمير في منه وعليه إلى الأقل من النصف ، فكأنه قيل : قم أقل من نصف الليل ، وقم أنقص من ذلك إلا قل أو أزيد منه قليلاً ، فيكون التخيير فيما وراء النصف بينه وبين الثلث ، ويجوز إذا أبدلت نصفه من قليلاً وفسرته به أن تجعل قليلاً الثاني بمعنى نصف النصف وهو الربع ، كأنه قيل : أو انقص منه قليلاً نصفه ، وتجعل المزيد على هذا القليل ، أعني الربع نصف الربع ، كأنه قيل : أو زد عليه قليلاً نصفه . ويجوز أن تجعل الزيادة لكونها مطلقة تتمة الثلث ، فيكون تخييراً بين النصف والثلث والربع . انتهى . وما أوسع خيال هذا الرجل ، فإنه يجوز ما يقرب وما يبعد ، والقرآن لا ينبغي ، بل لا يجوز أن يحمل إلا على أحسن الوجوه التي تأتي في كلام العرب ، كما ذكرناه في خطبة هذا الكتاب . وممن نص على جواز أن يكون نصفه بدلاً من الليل أو من قليلاً الزمخشري ، كما ذكرنا عنه . وابن عطية أورده مورد الاحتمال ، وأبو البقاء ، وقال : أشبه بظاهر الآية أن يكون بدلاً من قليلاً ، أو زد عليه ، والهاء فيهما للنصف . فلو كان الاستثناء من النصف لصار التقدير : قم نصف الليل إلا قليلاً ، أو انقص منه قليلاً . والقليل المستثنى غير مقدر ، فالنقصان منه لا يتحصل . انتهى . وأما الحوفي فأجاز أن يكون بدلاً من الليل ، ولم يذكر غيره . .
قال ابن عطية : وقد يحتمل عندي قوله : { إِلاَّ قَلِيلاً } أنه استثناء من القيام ، فيجعل الليل اسم جنس . ثم قال : { إِلاَّ قَلِيلاً } ، أي الليالي التي تخل بقيامها عند العذر البين ونحوه ، وهذا النظر يحسن مع القول بالندب . انتهى ، وهذا خلاف الظاهر . وقيل : المعنى أو نصفه ، كما تقول : أعطه درهماً درهمين ثلاثة ، تريد : أو درهمين ، أو ثلاثة . انتهى ، وفيه حذف حرف العطف من غير دليل عليه . وقال التبريزي : الأمر بالقيام والتخيير في الزيادة والنقصان وقع على الثلثين من آخر الليل ، لأن الثلث الأول وقت العتمة ، والاستثناء وارد على المأمور به ، فكأنه قال : قم ثلثي الليل إلا قليلاً ، ثم جعل نصفه بدلاً من قليلاً ، فصار القليل مفسراً بالنصف من الثلثين ، وهو قليل من الكل . فقوله : { أَوْ * نَقُصُّ * مِنْهُ } : أي من المأمور به ، وهو قيام الثلث ، { قَلِيلاً } : أي ما دون نصفه ، { أَوْ زِدْ عَلَيْهِ } ، أي على الثلثين ، فكان التخيير في الزيادة والنقصان واقعا على الثلثين . وقال أبو عبد الله الرازي : قد أكثر الناس في تفسيره هذه الآية ، وعندي فيه وجهان ملخصان ، وذكر كلاماً طويلاً ملفقاً يوقف عليه من كتابه . وتقدّم تفسير الترتيل في آخر الإسراء . .
{ قَوْلاً ثَقِيلاً } : هو القرآن ، وثقله بما اشتمل عليه من التكاليف الشاقة ، كالجهاد ومداومة الأعمال الصالحة . قال الحسن : إن الهذ خفيف ، ولكن العمل ثقيل . وقال أبو العالية : والقرطبي : ثقله على الكفار والمنافقين بإعجازه ووعيده . وقيل : ثقله ما كان يحل بجسمه صلى الله عليه وسلم ) حالة تلقيه الوحي ، حتى كانت ناقته تبرك به ذلك الوقت ، وحتى كادت رأسه الكريمة أن ترض فخذ زيد بن ثابت . وقيل : كلام له وزن ورجحان ليس بالسفساني . قال ابن عباس : كلاماً عظيماً . وقيل : ثقيل في الميزان يوم القيامة ، وهو إشارة إلى العمل به . وقيل : كناية عن بقائه على وجه الدهر ، لأن الثقيل من شأنه أن يبقى في مكانه . .
{ ءانٍ * قُمِ الَّيْلَ } ، قال ابن عمر وأنس ابن مالك وعليّ بن الحسين : هي ما بين المغرب والعشاء . وقالت عائشة ومجاهد : هي القيام بعد اليوم ، ومن قام أول الليل قبل اليوم ، فلم يقم ناشئة الليل . وقال ابن جبير وابن زيد : هي لفظة حبشية ، نشأ الرجل : قام من الليل ، فناشئة على هذا جمع ناشىء ، أي قائم . وقال ابن جبير وابن زيد أيضاً وجماعة : ناشئة الليل : ساعاته ، لأنها تنشأ شيئاً بعد شيء . وقال ابن عباس وابن الزبير والحسن وأبو مجلز : ما كان بعد العشاء فهو ناشئة ، وما كان قبلها فليس بناشئة . قال ابن عباس : كانت صلاتهم أول الليل ، وقال هو وابن الزبير : الليل كله ناشئة . وقال الكسائي : ناشئة الليل أوله . وقال الزمخشري : ناشئة الليل : النفس الناشئة بالليل التي تنشأ من مضجعها إلى العبادة ، أي تنهض وترتفع من نشأت السحابة إذا ارتفعت ، ونشأ من مكانه ونشر إذا نهض . قال الشاعر : % ( نشأنا إلى خوص برى فيها السرى % .
وألصق منها مشرفات القماحد .
.
) %