@ 353 @ بخصائص وكفاه شر أعدائه . .
وقرأ الجمهور : { الْمُزَّمّلُ } ، بشد الزاي وكسر الميم ، أصله المتزمل فأدغمت التاء في الزاي . وقرأ أبي : المتزمل على الأصل ؛ وعكرمة : بتخفيف الزاي . أي المزمل جسمه أو نفسه . وقرأ بعض السلف : بتخفيف الزاي وفتح الميم ، أي الذي لف . وللزمخشري في كيفية نداء الله له بهذا الوصف كلام ضربت عن ذكره صفحاً ، فلم أذكره في كتابي . وقال السهيلي : ليس المزمل باسم من أسمائه عليه الصلاة والسلام يعرف به ، وإنما هو مشتق من حالته التي كان التبس بها حالة الخطاب ، والعرب إذا قصدت الملاطفة بالمخاطب تترك المعاتبة نادوه باسم مشتق من حالته التي هو عليها ، كقول النبي صلى الله عليه وسلم ) لعليّ كرم الله وجهه وقد نام ولصق بجنبه التراب : ( قم أبا تراب ) ، إشعاراً بأنه ملاطف له ، فقوله : { عَدَداً يأَيُّهَا الْمُزَّمّلُ } فيه تأنيس وملاطفة . .
وقرأ الجمهور : { قُمِ الَّيْلَ } ، بكسر الميم على أصل التقاء الساكنين ؛ وأبو السمال : بضمها اتباعا للحركة من القاف . وقرىء : بفتحها طلباً للتخفيف . قال ابن جني : الغرض بالحركة الهروب من التقاء الساكنين ، فبأي حركة تحرك الحرف حصل الغرض ، وقم طلب . فقال الجمهور : هو على جهة الندب ، وقيل : كان فرضاً على الرسول خاصة ، وقيل : عليه وعلى الجميع . قال قتادة : ودام عاماً أو عامين . وقالت عائشة : ثمانية أشهر ، ثم رحمهم الله نزلت : { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ } الآيات ، فخفف عنهم { قُمِ الَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً } . بين الاستثناء أن القيام المأمور به يستغرق جميع الليل ، ولذلك صح الاستثناء منه ، إذ لو كان غير مستغرق ، لم يصح الاستثناء منه ، واستغراق جميعه بالقيام على الدوام غير ممكن ، لذلك استثى منه لراحة الجسد ؛ وهذا عند البصريين منصوب على الظرف ، وإن استغرقه الفعل ؛ وهو عند الكوفيين مفعول به . وفي قوله : { إِلاَّ قَلِيلاً } دليل على أن المستثنى قد يكون مبهم المقدار ، كقوله : { مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مّنْهُمْ } في قراءة من نصب { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ } . .
قال وهب بن منبه : القليل ما دون المعشار والسدس . وقال الكلبي ومقاتل : الثلث . وقيل : ما دون النصف ، وجوزوا في نصفه أن يكون بدلاً من الليل ومن قليلاً . فإذا كان بدلاً من الليل ، كان الاستثناء منه ، وكان المأمور بقيامه نصف الليل إلا قليلاً منه . والضمير في منه وعليه عائد على النصف ، فيصير المعنى : قم نصف الليل إلا قليلاً ، أو انقص من نصف الليل قليلاً ، أو زد على نصف الليل ، فيكون قوله : أو انقص من نصف الليل قليًلا ، تكراراً لقوله : إلا قليلاً من نصف الليل ، وذلك تركيب غير فصيح ينزه القرآن عنه . قال الزمخشري : نصفه بدل من الليل ، وإلا قليلاً استثناء من النصف ، كأنه قال : قم أقل من نصف الليل . والضمير في منه وعليه للنصف ، والمعنى : التخيير بين أمرين ، بين أن يقوم أقل من نصف الليل على البت ، وبين أن يختار أحد الأمرين ، وهما النقصان من النصف والزيادة عليه . انتهى . فلم يتنبه للتكرار الذي يلزمه في هذا القول ، لأنه على تقديره : قم أقل من نصف الليل كان قوله ، أو انقص من نصف الليل تكراراً . وإذا كان { نّصْفَهُ } بدلاً من قوله : { إِلاَّ قَلِيلاً } ، فالضمير في نصفه إما أن يعود على المبدل منه ، أو على المستثنى منه وهو الليل ، لا جائز أن يعود على المبدل منه ، لأنه يصير استثناء مجهول من مجهول ، إذ التقدير إلا قليلاً نصف القليل ، وهذا لا يصح له معنى البتة . وإن عاد الضمير على الليل ، فلا فائدة في الاستثناء من الليل ، إذ كان يكون أخصر وأوضح وأبعد عن الإلباس أن يكون التركيب قم الليل نصفه . وقد أبطلنا قول من قال : إلا قليلاً استثناء من البدل وهو نصفه ، وأن التقدير : قم الليل نصفه إلا قليلاً منه ، أي من النصف . وأيضاً ففي دعوى أن نصفه بدل من إلا قليًلا ، والضمير في نصفه عائد على الليل ، إطلاق القليل على النصف ، ويلزم أيضاً أن يصير التقدير : إلا نصفه فلا تقمه ، أو انقص من النصف الذي لا تقومه ، وأزد عليه النصف الذي لا تقومه ، وهذا معنى لا يصح ، وليس المراد من الآية قطعاً . .
وقال الزمخشري : وإن شئت جعلت نصفه بدلاً من قليلاً ، وكان تخييراً بين ثلاث : بين قيام النصف بتمامه ، وبين قيام الناقص منه ، وبين قيام الزائد عليه ؛ وإنما وصف النصف بالقلة بالنسبة إلى الكل . وإن شئت قلت : لما كان معنى { قُمِ الَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نّصْفَهُ } : إذا أبدلت النصف من الليل ، قم أقل من