@ 286 @ عجيب ، وليس على طريقة فهم العرب من مدلولات الألفاظ التي حملها ما حمل . والظاهر أن مثنى وما بعده من صفات الأجنحة ، وقيل : { أُوْلِى أَجْنِحَةٍ } معترض ، { * ومثنى } حال ، والعامل فعل محذوف يدل عليه { بَعْدِهِ رُسُلاً } ، أي يرسلون مثنى وثلاث ورباع . قيل : وإنما جعلهم أولي أجنحة ، لأنه لما جعلهم رسلاً ، جعل لهم أجنحة ليكون أسرع لنفاد الأمر وسرعة إنفاذ القضاء . فإن المسافة التي بين السماء والأرض لا تقطع بالأقدام إلا في سنين ، فجعلت لهم الأجنحة حتى ينالوا المكان البعيد في الوقت القريب كالطير . .
{ يَزِيدُ فِى الْخَلْقِ مَا يَشَاء } : تقرير لما يقع في النفوس من التعجب والاستغراب من خبر الملائكة أولي أجنحة ، أي ليس هذا ببدع في قدرة الله ، فإنه يزيد في خلقه ما يشاء ، والظاهر عموم الخلق . وقال الفراء : هذا في الأجنحة التي للملائكة ، أي يزيد في خلق الملائكة الأجنحة . وقالوا : في هذه الزيادة الخلق الحسن ، أو حسن الصوت ، أو حسن الخط ، أو لملاحة في العينين أو الأنف ، أو خفة الروح ، أو الحسن ، أو جعودة الشعر ، أو العقل ، أو العلم ، أو الصنعة ، أو العفة في الفقراء ، والحلاوة في الفم ، وهذه الأقوال على سبيل التمثيل لا الحصر . والآية مطلقة تتناول كل زيادة في الخلق ، وقد شرحوا هذه الزيادة بالأشياء المستحسنة ، وما يشاء عام لا يخص مستحسناً دون غيره . وختم الآية بالقدرة على كل شيء يدل على ذلك ، والفتح والإرسال استعارة للإطلاق ، { فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ } مكان لا فاتح له ، والمعنى : أي شيء يطلب الله . .
{ مِن رَّحْمَةِ } : أي نعمة ورزق ، أو مطر ، أو صحة ، أو أمن ، أو غير ذلك من صنوف نعمائه التي لا يحاط بعددها . وما روي عن المفسرين المتقدمين من تفسير رحمة بشيء معين فليس على الحصر منه ، إنما هو مثال . قال الزمخشري : وتنكير الرحمة للإشاعة والإبهام ، كأنه قال : من أية رحمة كانت سماوية أو أرضية ، فلا يقدر أحد على إمساكها وحبسها ، وأي شيء يمسك الله فلا أحد يقدر على إطلاقه . انتهى . والعموم مفهوم من اسم الشرط ومن رحمة لبيان ذلك العام من أي صنف هو ، وهو مما اجتزىء فيه بالنكرة المفردة عن الجمع المعرف المطابق في العموم لاسم الشرط ، وتقديره : من الرحمات ، ومن في موضع الحال ، أي كائناً من الرحمات ، ولا يكون في موضع الصفة ، لأن اسم الشرط لا يوصف . والظاهر أن قوله : { وَمَا يُمْسِكْ } عام في الرحمة وفي غيرها ، لأنه لم يذكر له تبيين ، فهو باق على العموم في كل ما يمسك . فإن كان تفسيره { مِن رَّحْمَةِ } ، وحذفت لدلالة الأول عليه ، فيكون تذكير الضمير في { فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ } حملاً على لفظ ما ، وأنث في { مُمْسِكَ لَهَا } على معنى ما ، لأن معناها الرحمة . وقرىء : فلا مرسل لها ، بتأنيث الضمير ، وهو دليل على أن التفسير هو { مِن رَّحْمَةِ } ، وحذف لدلالة ما قبله عليه . وعن ابن عباس : { مِن رَّحْمَةِ } : من باب توبة ، { فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا } : أي يتوبون إن شاؤوا وإن أبوا ، { وَمَا يُمْسِكْ } : من باب ، { فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ } من بعده ، فهم لا يتوبون . وعنه أيضاً : { مِن رَّحْمَةِ } : من هداية . قال الزمخشري : فإن قلت : فما تقول فيمن فسر الرحمة بالتوبة وعزاه إلى ابن عباس ؟ قلت : أراد بالتوبة : الهداية لها والتوفيق فيها ، وهو الذي أراده ابن عباس ، إن قاله فمقبول ، وإن أراد أنه إن شاء أن يتوب العاصي تاب ، وإن لم يشأ لم يتب فمردود ، لأن الله تعالى يشاء التوبة أبداً ، ولا يجوز عليه أن لا يشاء بها . انتهى ، وهو على طريقة الاعتزال . { مِن بَعْدِهِ } : هو على حذف مضاف ، أي من بعد إمساكه ، كقوله : { فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ } ، أي من بعد إضلال الله إياه ، لأن قبله وأضله الله على علم ، كقوله : { وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ * فَلاَ هَادِيَ لَهُ } ، وقدره الزمخشري من بعد هداية الله ، وهو تقدير فاسد لا يناسب الآية ، جرى فيه على طريقة الاعتزال . { وَهُوَ الْعَزِيزُ } الغالب القادر على الإرسال والإمساك ، { الْحَكِيمُ } الذي يرسل ويمسك ما اقتضته حكمته . .
{ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ } : خطاب لقريش ، وهو متجه لكل مؤمن وكافر ، ولا سيما من عبد غير الله ، وذكرهم بنعمه في إيجادهم . و { اذْكُرُواْ } : ليس أمراً بذكر اللسان ، ولكن به وبالقلب وبحفظ النعمة من كفرانها وشكرها ، كقولك لمن أنعمت عليه : اذكر أياديّ عندك ، تريد حفظها وشكرها ، والجميع مغمورون في نعمة الله . فالخطاب عام اللفظ ، وإن كان نزل ذلك بسبب قريش ، ثم استفهم على جهة التقرير . { هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ } : أي فلا إله إلا الخالق ، ما تعبدون أنتم من الأصنام . وقرأ ابن وثاب ، وشقيق ، وأبو جعفر ، وزيد بن علي ، وحمزة ، والكسائي : غير بالخفض ، نعتاً على اللفظ ، { وَمِنْ * خَالِق } : ( سقط : مبتدأ )