@ 285 @ الَّيْلَ سَكَناً } . وقرأ الحسن ، وحميد بن قيس : رسلاً بإسكان السين ، وهي لغة تميم . وقال الزمخشري : وقرىء الذي فطر السموات والأرض وجعل الملائكة . فمن قرأ : فطر وجعل ، فينبغي أن تكون هذه الجمل إخباراً من العبد إلى ما أسداه إلينا من النعم ، كما تقول : الفضل لزيد أحسن إلينا بكذا خولنا كذا ، يكون ذلك جهة بيان لفعله الجميل ، كذلك يكون في قوله : فطر ، جعل ، لأن في ذلك نعماً لا تحصى . ومن قرأ : وجاعل ، فالأظهر أنهما اسماً فاعل بمعنى المضي ، فيكونان صفة لله ، ويجيء الخلاف في نصب رسلاً . فمذهب السيرافي أنه منصوب باسم الفاعل ، وإن كان ماضياً لما لم يمكن إضافته إلى اسمين نصب الثاني . ومذهب أبي علي أنه منصوب بإضمار فعل ، والترجيح بين المذهبين مذكور في النحو . وأما من نصب الملائكة فيتخرج على مذهب الكسائي وهشام في جواز إعمال الماضي النصب ، ويكون إذ ذاك إعرابه بدلاً . وقيل : هو مستقبل تقديره : يجعل الملائكة رسلاً ، ويكون أيضاً إعرابه بدلاً . ومعنى رسلاً بالوحي وغيره من أوامره ، ولا يريد جميع الملائكة لأنهم ليسوا كلهم رسلاً . فمن الرسل : جبريل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، وعزرائيل ، والملائكة المتعاقبون ، والملائكة المسددون حكام العدل وغيرهم ، كالملك الذي أرسله الله إلى الأعمى والأبرص والاقرع . .
و { أَجْنِحَةٍ } جمع جناح ، صيغة جمع القلة ، وقياس جمع الكثرة فيه جنح على وزن فعل ، فإن كان لم يسمع كان أجنحة مستعملاً في القليل والكثير . وتقدم الكلام على مثنى وثلاث ورباع في أول النساء مشبعاً ، ولكن المفسرون تعرضوا لكلام فيه هنا ، فقال الزمخشري : مثنى وثلاث ورباع صفات الأجنحة ، وإنما لم تنصرف لتكرار العدل فيها ، وذلك أنها عدلت عن ألفاظ الإعداد من صيغ إلى صيغ أخر ، كما عدل عمر عن عامر ، وحذام عن حاذمة ، وعن تكرير إلى غير تكرير . وأما بالوصفية ، فلا تقترن الحال فيها بين المعدولة والمعدول عنها . ألا تراك تقول بنسوة أربع وبرجال ثلاثة فلا يعرج عليها ؟ انتهى . فجعل المانع للصرف هو تكرار العدل فيها ، والمشهور أنها امتنعت من الصرف للصفة والعدل . وأما قوله : ألا تراك ، فإنه قاس الصفة في هذا المعدول على الصفة في أفعل وفي ثلاثة ، وليس بصحيح ، لأن مطلق الصفة لم يعدوه علة ، بل اشترطوا فيه . فليس الشرط موجوداً في أربع ، لأن شرطه أن لا يقبل تاء التأنيث . وليس شرطه في ثلاثة موجوداً ، لأنه لم يجعل علة مع التأنيث . فقياس الزمخشري قياس فاسد ، إذ غفل عن شرط كون الصفة علة . وقال ابن عطية : عدلت عن حال التنكير ، فتعرفت بالعدل ، فهي لا تنصرف للعدل والتعريف ، وقيل : للعدل والصفة . انتهى . وهذا الثاني هو المشهور ، والأول قول لبعض الكوفيين . والظاهر أن الملك الواحد من صنف له جناحان ، وآخر ثلاثة ، وآخر أربعة ، وآخر أكثر من ذلك ، لما روي أن لجبريل ستمائة جناح ، منها اثنان يبلغ بهما المشرق إلى المغرب . قال قتادة : وأخذ الزمخشري يتكلم على كيفية هذه الأجنحة ، وعلى صورة الثلاثة بما لا يجدي قائلاً : يطالع ذلك في كتابه . وقالت فرقة : المعنى أن في كل جانب من الملك جناحان ، ولبعضهم ثلاثة ، ولبعضهم أربعة ، وإلا فلو كانت ثلاثة لواحد ، لما اعتدلت في معتاد ما رأينا نحن من الأجنحة . وقيل : بل هي ثلاثة لواحد ، كما يوجد لبعض الحيوانات . والظاهر أن المراد من الأجنحة ما وضعت له في اللغة . .
وقال أبو عبد الله الرازي : يزيل بحثه في قوله : { الْحَمْدُ للَّهِ فَاطِرِ * السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ } ، وهو الذي حكينا عنه أن قوله : { جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً أُوْلِى أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ } ، أقل ما يكون لذي الجناح ، إشارة إلى الجهة ، وبيانه أن الله ليس شيء فوقه ، وكل شيء تحت قدرته ونعمته ، والملائكة لهم وجه إلى الله يأخذون منه نعمه ويعطون من دونهم مما أخذوه بإذن الله ، كما قال تعالى : { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الاْمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ } ، وقوله : { عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى } ، وقال تعالى في حقهم : { فَالْمُدَبّراتِ أَمْراً } ، النازعات فهما جناحان ، وفيهم من يفعل ما يفعل من الخير بواسطة ، وفيهم من يفعله لا بواسطة . فالفاعل بواسطة فيهم من له ثلاث جهات ، ومنهم من له أربع جهات وأكثر . انتهى . وبحثه في هذه ، وفي { فَاطِرَ * السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ } بحث