@ 287 @ ( سقط : ويرزقكم ) جوزوا أن يكون خبراً للمبتدأ ، وإن يكون صفته ، وأن يكون مستأنفاً ، والخبر على هذين الوجهين محذوف تقديره لكم . وقرأ شيبة ، وعيسى ، والحسن ، وباقي السبعة : { مّن مَّاء غَيْرِ } بالرفع ، وجوزوا أن يكون نعتاً على الموضع ، كما كان الخبر نعتاً على اللفظ ، وهذا أظهر لتوافق القراءتين ؛ وأن يكون خبراً للمبتدأ ، وأن يكون فاعلاً باسم الفاعل الذي هو خالق ، لأنه قد اعتمد على أداة الاستفهام ، فحسن إعماله ، كقولك : أقائم زيد في أحد وجهيه ؟ وفي هذا نظر ، وهو أن اسم الفاعل ، أو ما جرى مجراه ، إذا اعتمد على أداة الاستفهام وأجرى مجرى الفعل ، فرفع ما بعده ، هل يجوز أن تدخل عليه من التي للاستغراق فتقول : هل من قائم الزيدون ؟ كما تقول : هل قائم الزيدون ؟ والظاهر أنه لا يجوز . ألا ترى أنه إذا جرى مجرى الفعل ، لا يكون فيه عموم خلافه إذا أدخلت عليه من ، ولا أحفظ مثله في لسان العرب ، وينبغي أن لا يقدم على إجازة مثل هذا إلا بسماع من كلام العرب ؟ وقرأ الفضل بن إبراهيم النحوي : غير بالنصب على الاستثناء ، والخبر إما يرزقكم وإما محذوف ، ويرزقكم مستأنف ؛ وإذا كان يرزقكم مستأنفاً ، كان أولى لانتفاء صدق خالق على غير الله ، بخلاف كونه صفة ، فإن الصفة تقيد ، فيكون ثم خالق غير الله ، لكنه ليس برازق . ومعنى { مّنَ السَّمَاء } : بالمطر ، { والاْرْضِ } : بالنبات ، { لاَ إِلَاهَ إِلاَّ هُوَ } : جملة مستقلة لا موضع لها من الإعراب . { فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ } : أي كيف يصرفون على التوحيد إلى الشرك ، وأن يكذبوك إلى الأمور ، تقدم الكلام على ذلك . .
{ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ } : شامل لجميع ما وعد من ثواب وعقاب وغير ذلك . وقرأ الجمهور : { الْغُرُورِ } بفتح الغين ، وفسره ابن عباس بالشيطان . وقرأ أبو حيوة ، وأبو السمال : بضمها جمع غار ، أو مصدراً ، كقوله : { فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ } ، وتقدم الكلام على ذلك في آخر لقمان . { إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ } : عداوته سبقت لابنا آدم ، وأي عداوة أعظم من أن يقول في بنيه : { لاَغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } ، { وَلاَضِلَّنَّهُمْ } ؟ { فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً } : أي بالمقاطعة والمخالفة باتباع الشرع . ثم بين أن مقصوده في دعاء حزبه إنما هو تعذيبهم في النار ، يشترك هو وهم في العذاب ، فهو حريص على ذلك أشد الحرص حتى يبين صدق قوله في : { * فلاغوينهم } ، { مَّفْرُوضاً وَلاَضِلَّنَّهُمْ } ، لأن الاشتراك فيما يسوء مما قد يتسلى به بخلاف المنفرد بالعذاب . ثم ذكر الفريقين ، وما أعدّ لهما من العقاب والثواب . وبدأ بالكفار لمجاورة قوله : { إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ } ، فاتبع خبر الكافر بحاله في الآخرة . قال ابن عطية : واللام في ليكون لام الصيرورة ، لأنه لم يدعهم إلى السعير ، إنما اتفق أن صار أمرهم عن دعائه إلى ذلك . انتهى . ونقول : هو مما عبر فيه عن السبب بما تسبب عنه دعاؤهم إلى الكفر ، وتسبب عنه العذاب . و { الَّذِينَ كَفَرُواْ } ، { وَالَّذِينَ ءامَنُواْ } . مبتدآن ، وجوز بعضهم في { الَّذِينَ كَفَرُواْ } أن يكون في موضع خفض بدلاً { مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ } ، أو صفة ، وفي موضع نصب بدلاً من حزبه ، وفي موضع رفع بدلاً من ضمير { لّيَكُونُواْ } ، وهذا كله بمعزل من فصاحة التقسيم وجزالة التركيب . .
{ أَفَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ فَرَءاهُ حَسَناً } : أي فرأى سوء عمله حسناً ، ومن مبتدأ موصول ، وخبره محذوف . فالذي يقتضيه النظر أن يكون التقدير : كمن لم يزين له ، كقوله : { أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيّنَةٍ مّن رَّبّهِ كَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ } ، { أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى } ، { أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ } ، ثم قال : { كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ } ، وقاله الكسائي ، أي تقديره : تذهب نفسك عليهم حسرات لدلالة : { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ } . وقيل : التقدير : فرآه حسناً ، فأضله الله كمن هداه الله ، فحذف ذلك لدلالة : { فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء } ، وذكر هذين الوجهين الزجاج . وشرح الزمخشري هنا { يُضِلُّ مَن يَشَاء } على طريقته في غير موضع من كتابه ، من أن الإضلال هو خذلانه وتخليته وشأنه ، وأتى بألفاظ كثيرة في هذا المعنى . وقرأ الجمهور : { أَفَمَن زُيّنَ * مُّبِيناً * لاَ إِلَاهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * وَإِن يُكَذّبُوكَ فَقَدْ كُذّبَتْ رُسُلٌ مّن قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الاْمُورُ * يأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَواةُ الدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ * الَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ * أَفَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ فَرَءاهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِى مَن يَشَاء } تسلية للرسول عن كفر قومه ، ووجوب التسليم لله في