@ 175 @ يتبعون ذمهم تعالى في جميع أحوالهم ، كان عليهم أن يتوكلوا على فضل الله فقنطوا ، وإن شكروا نعمته فلم يزيدوا على الفرح والاستبشار ، وإن تصبروا على بلائه كفروا . والضمير في { مِن بَعْدِهِ } عائد على الاصفرار ، أي من بعد اصفرار النبات تجحدون نعمته . وتقدم الكلام على قوله : { فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى } إلى قوله : { فَهُم مُّسْلِمُونَ } في أواخر النمل ، إلا أن هنا الربط بالفاء في قوله : { فَإِنَّكَ } . .
{ اللَّهُ الَّذِى خَلَقَكُمْ مّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ } . .
لما ذكر دلائل الآفاق ، ذكر شيئاً من دلائل الأنفس ، وجعل الخلق من ضعف ، لكثرة ضعف الإنسان أول نشأته وطفوليته ، كقوله : { خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ } . والقوة التي تلت الضعف ، هي رعرعته ونماؤه وقوته إلى فصل الاكتهال . والضعف الذي بعد القوة هو حال الشيخوخة والهرم . وقيل : { مّن ضَعْفٍ } : من النطفة ، كقوله : { مّن مَّاء مَّهِينٍ } . والترداد في هذه الهيئات شاهد بقدرة الصانع وعلمه . وقرأ الجمهور : بضم الضاد في ضعف معاً ؛ وعاصم وحمزة : بفتحها فيهما ، وهي قراءة عبد الله وأبي رجاء . وروي عن أبي عبد الرحمن والجحدري والضحاك : الضم والفتح في الثاني . وقرأ عيسى : بضمتين فيهما . والظاهر أن الضعف والقوة هما بالنسبة إلى ما عدا البدن من ذلك ، وإن الضم والفتح بمعنى واحد في ضعف . وقال كثير من اللغويين : الضم في البدن ، والفتح في العقل . { مَا لَبِثُواْ } : هو جواب ، وهو على المعنى ، إذ لو حكى قولهم ، كان يكون التركيب : ما لبثنا غير ساعة ، أي ما أقاموا تحت التراب غير ساعة ، وما لبثوا في الدنيا : استقلوها لما عاينوا من الآخرة ، أو فيما بين فناء الدنيا إلى البعث ، وإخبارهم بذلك هو على جهة التسور والتقول بغير علم ، أو على جهة النسيان ، أو الكذب . { يُؤْفَكُونَ } : أي يصرفون عن قول الحق والنطق بالصدق . .
{ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ } : هم الملائكة والأنبياء والمؤمنون . { فِى كِتَابِ اللَّهِ } : فيما وعد به في كتابه من الحشر والبعث والعلم يعم الإيمان وغيره ، ولكن نص على هذا الخاص تشريفاً وتنبيهاً على محله من العلم . وقيل : { فِى كِتَابِ اللَّهِ } : اللوح المحفوظ ، وقيل : في علمه ، وقيل : في حكمه . وقرأ الحسن : البعث ، بفتح العين فيهما ، وقرىء : بكسرها ، وهو اسم ، والمفتوح مصدر . وقال قتادة : هو على التقديم والتأخير ، تقديره : أوتوا العلم في كتاب الله والإيمان . { لَقَدْ لَبِثْتُمْ } : وعلى هذا تكون في بمعنى الباء ، أي العلم بكتاب الله ، ولعل هذا القول لا يصح عن قتادة ، فإن فيه تفكيكاً للنظم لا يسوغ في كلام غير فصيح ، فكيف يسوغ في كلام الله ؟ وكان قتادة موصوفاً بعلم العربية ، فلا يصدر عنه مثل هذا القول . والفاء في : { فَهَاذَا يَوْمُ الْبَعْثِ } عاطفة لهذه الجملة المقولة على الجملة التي قبلها ، وهي : { لَقَدْ لَبِثْتُمْ } ، اعتقبها في الذكر . قال الزمخشري : فإن قلت : ما هذه الفاء ، وما حقيقتها ؟ قلت : هي التي في قوله :