@ 174 @ فِى السَّمَاء } . { فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاء } : أي أرض من يشاء إصابتها ، فاجأهم الاستبشار ، ولم يتأخر سرورهم . وقال الأخفش : { مِن قَبْلِهِ } تأكيد لقوله : { مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ } . .
وقال ابن عطية : أفاد الإعلام بسرعة تقلب قلوب البشر من الإبلاس إلى الاستبشار ، وذلك أن قوله : { مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ } يحتمل الفسحة في الزمان ، أي من قبل أن ينزل بكثير ، كالأيام ونحوه ، فجاء قوله : { مِن قَبْلُ } بمعنى : أن ذلك متصل بالمطر ، فهو تأكيد مقيد . وقال الزمخشري : وبمعنى التوكيد ، فيه الدلالة على أن عهدهم بالمطر قد تطاول وبعد ، فاستحكم يأسهم وتمادى إبلاسهم ، فكان الاستبشار على قدر اهتمامهم بذلك . انتهى . وما ذكره ابن عطية والزمخشري من فائدة التأكيد في قوله : { مِن قَبْلِهِ } غير ظاهر ، وإنما هو عند ذكره لمجرد التوكيد ، ويفيد رفع المجاز فقط . وقال قطرب : التقدير : وإن كانوا من قبل التنزيل ، من قبل المطر . انتهى . وصار من قبل إنزال المطر : من قبل المطر ، وهذا تركيب لا يسوغ في كلام فصيح ، فضلاً عن القرآن . وقيل : التقدير : من قبل تنزيل الغيث : من قبل أن يزرعوا ، ودل المطر على الزرع ، لأنه يخرج بسبب المطر ؛ ودل على ذلك قوله : { فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً } ، يعني الزرع . انتهى . وهذا لا يستقيم ، لأن { مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ } متعلق بقوله : { لَمُبْلِسِينَ } . ولا يمكن من قبل الرزع أن يتعلق بمبلسين ، لأن حرفي جر لا يتعلقان بعامل واحد إلا إن كان بواسطة حرف العطف ، أو على جهة البدل . وليس التركيب هنا ومن قبله بحرف العطف ، ولا يصح فيه البدل ، إذا إنزال الغيث ليس هو الزرع ، ولا الزرع بعضه . وقد يتخيل فيه بدل الاشتمال بتكلف . أما لاشتمال الإنزال على الزرع ، بمعنى أن الزرع يكون ناشئاً عن الإنزال ، فكأن الإنزال مشتمل عليه ، وهذا على مذهب من يقول : الأول يشتمل على الثاني . وقال المبرد : الثاني السحاب ، ويحتاج أيضاً إلى حرف عطف حتى يمكن تعلق الحرفين بمبلسين . وقال علي بن عيسى : من قبل الإرسال . وقال الكرماني : ومن قبل الاستبشار ، لأنه قرنه بالإبلاس ، ولأنه منّ عليهم بالاستبشار . انتهى . ويحتاج قوله وقول ابن عيسى إلى حرف العطف ، فإن ادعى في قوله من جعل الضمير في من قبله عائد إلى غير إنزال الغيث أن حرف العطف محذوف ، أمكن ، لكن في حذف حرف العطف خلاف ، أينقاس أم لا ينقاس ؟ أما حذفه مع الجمل فجائز ، وأما وحده فهو الذي فيه الخلاف . .
وقرأ الحرميان ، وأبو عمرو ، وأبو بكر : إلى أثر ، بالإفراد ؛ وباقي السبعة : بالجمع ؛ وسلام : بكسر الهمزة وإسكان الثاء . وقرأ الجحدري ، وابن السميفع ، وأبو حيوة : تحيي ، بالتاء للتأنيث ، والضمير عائد على الرحمة . وقال صاحب اللوامح : وإنما أنث الأثر لاتصاله بالرحمة إضافة إليها ، فاكتسب التأنيث منها ، ومثل ذلك لا يجوز إلا إذا كان المضاف بمعنى المضاف إليه ، أو من سببه . وأما إذا كان أجنبياً ، فلا يجوز بحال . انتهى . وقرأ زيد بن علي : نحيي ، بنون العظمة ؛ والجمهور : { يُحْىِ } ، بياء الغيبة ، والضمير لله ، ويدل عليه قراءة { ءاثَارِ } بالجمع ، وقيل : يعود على أثر في قراءة من أفرد . وقال ابن جني : { كَيْفَ يُحْىِ } جملة منصوبة الموضع على الحال حملاً على المعنى ، كأنه قال : محيياً ، وهذا فيه نظر . { إِنَّ ذالِكَ } : أي القادر على إحياء الأرض بعد موتها ، هو الذي يحيي الناس بعد موتهم . وهذا الإخبار على جهة القياس في البعث ، والبعث من الأشياء التي هو قادر عليها تعالى . .
{ وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا } : أخبر تعالى عن حال تقلب ابن آدم ، أنه بعد الاستبشار بالمطر ، بعث الله ريحاً ، فاصفر بها النبات . لظلوا يكفرون قلقاً منهم ، والريح التي تصفر النبات صر حرور ، وهما مما يصبح به النبات هشيماً ، والحرور جنب الشمال إذا عصفت . والضمير في { فَرَأَوْهُ } عائد على ما يفهم من سياق الكلام ، وهو النبات . وقيل : إلى الأثر ، لأن الرحمة هي الغيث ، وأثرها هو النبات . ومن قرأ : آثار ، بالجمع ، رجع الضمير إلى آثار الرحمة ، وهو النبات ، واسم النبات يقع على القليل والكثير ، لأنه مصدر سمى به ما ينبت . وقال ابن عيسى : الضمير في { فَرَأَوْهُ } عائد على السحاب ، لأن السحاب إذا اصفر لم يمطر ؛ وقيل : على الريح ، وهذان قولان ضعيفان . وقرأ صباح بن حبيش : مصفاراً ، بألف بعد الفاء . واللام في { وَلَئِنِ } مؤذنة بقسم محذوف وجوابه لظلوا ، وهو مما وضع فيه الماضي موضع المستقبل اتساعاً تقديره : ليظلن ، ونظيره قوله تعالى : { وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ بِكُلّ ءايَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ } : أي ما