@ 176 @ .
فقد جئنا خراساناً .
وحقيقتها أنها جواب شرط يدل عليه الكلام ، كأنه قال : إن صح ما قلتم من أن أقصى ما يراد بنا قلنا القفول : قد جئنا خراساناً ، وإذا أمكن جعل الفاء عاطفة ، لم يتكلف إضمار شرط ، وجعل الفاء جواباً لذلك الشرط المحذوف ، لا تعلمون لتفريطكم في طلب الحق واتباعه . وقيل : لا تعلمون البعث ولا تعرفون به ، فصار مصيركم إلى النار ، فتطلبون التأخير . { فَيَوْمَئِذٍ } : أي يوم إذ ، يقع ذلك من إقسام الكفار وقول أولي العلم لهم . وقرأ الكوفيون : { لاَّ ينفَعُ } ، بالياء هنا وفي الطول ، ووافقهم نافع في الطول ؛ وباقي السبعة بتاء التأنيث . { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } ، قال الزمخشري : من قولك : استعتبنى فلان فأعتبته : أي استرضاني فأرضيته ، وذلك إذا كان جانياً عليه ، وحقيقته : أعتبته : أزلت عتبه . ألا ترى إلى قوله : % ( غضبت تميم أن يقتل عامر % .
يوم النثار فأعتبوا بالصيلم .
) % .
.
كيف جعلهم غضاباً . ثم قال : فأعتبوا : أي أزيل غضبهم ، والغضب في معنى العتب ، والمعنى : لا يقال لهم أرضوا ربكم بتوبة وطاعة ، ومثله قوله تعالى : { فَالْيَوْمَ لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلاَ هُمْ يُسْتَعَتَبُونَ } . فإن قلت : كيف جعلوا غير مستعتبين في بعض الآيات ، وغير معتبين في بعضها ؟ وقوله : { وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مّنَ الْمُعْتَبِينَ } ؟ قلت : أما كونهم غير مستعتبين ، فهذا معناه ؛ وأما كونهم غير معتبين ، فمعناه أنهم غير راضين بما هم فيه ؛ فشبهت حالهم بحال قوم جنى عليهم ، فهم عاتبون على الجاني ، غير راضى ن منه . فإن يستعتبوا الله : أي يسألوه إزالة ما هم فيه ، فما هم من المجابين إلى إزالته . وقال ابن عطية : هذا إخبار عن هول يوم القيامة ، وشدّة أحواله على الكفرة في أنهم لا ينفعهم الاعتذار ، ولا يعطون عتبى ، وهو الرضا . ويستعتبون بمعنى : يعتبون ، كما تقول : يملك ويستملك . والباب في استفعل أنه طلب الشيء وليس هذا منه ، لأن المعنى لا يفسد إذا كان المفهوم منه ، ولا يطلب منهم عتبى . انتهى . فيكون استفعل في هذا بمعنى الفعل المجرد ، وهو عتب ، أي هم من الإهمال وعدم الالتفات إليهم بمنزلة من لا يؤهل للعتب . وقد قيل : لا يعاتبون على سيئاتهم ، بل يعاقبون . وقيل : لا يطلب لهم العتبى . وقيل : لا يلتمس منهم عمل وطاعة ، ولكن ضربنا إشارة إلى إزالة الأعذار والإتيان بما فوق الكفاية من الإنذار . وقال الزمخشري : وصفنا لهم كل صفة كأنها مثل في غرابتها ، وقصصنا عليهم كل قصة عجيبة الشأن ، كصفة المبعوثين يوم القيامة ، وما يقال لهم ، وما لا يقع من اعتذارهم ، ولا يسمع من استعتابهم ، ولكنهم لقسوة قلوبهم ومج أسماعهم حديث الآخرة ، إذا جئتهم بآية من آيات القرآن قالوا : أجئتنا بزور باطل ؟ انتهى . و { أَنتُمْ } : خطاب للرسول والمؤمنين ، أي : تبطلون في دعواكم الحشر والجزاء . وقال أبو عبد الله الرازي : وفي توحيد الخطاب بقول : { وَلَئِن جِئْتَهُمْ } ، والجمع في قوله : { إِنْ أَنتُمْ } لطيفة ، وهي : أن الله عز وجل قال : { وَلَئِن جِئْتَهُمْ } بكل آية جاءت بها الرسل ، فيمكن أن يجاوبوه بقوله : أنتم كلكم أيها المدعون الرسالة مبطلون . .
{ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ } : أي مثل هذا الطبع يطبع الله ، أي يحتم على قلوب الجهلة الذين قد حتم الله عليهم الكفر في الأزل ، وأسند الطبع إلى ذاته تعالى ، إذ هو فاعل ذلك ومقدره . وقال الزمخشري : ومعنى طبع الله : صنع الألطاف التي يشرح لها الصدور حتى تقبل الحق ، ثم قال : فكأنه كذلك تصدأ القلوب وتقسو قلوب الجهلة حتى يسموا المحقين مبطلين ، وهم أعرف خلق الله في تلك الصفة . انتهى ، وهو على طريقة الاعتزال . ثم أمره تعالى بالصبر على عداوتهم ، وقوّاه بتحقق الوعد أنه لا بد من إنجازه والوفاء به ، ونهاه عن الاهتزاز بكلامهم والتحرك ، فإنهم لا يقين لهم ولا بصيرة . وقرأ ابن أبي إسحاق ، ويعقوب : ولا يستحقنك : بحاء مهملة وقاف ، من الاستحقاق ؛ والجمهور : بخاء معجمة وفاء ، من الاستخفاف ؛ وسكن النون ابن أبي عبلة ويعقوب ، والمعنى : لا يفتننك ويكونوا أحق بك من المؤمنين . .