@ 158 @ للمفعول ؛ وبالفتح ، يكون مضافاً للفاعل ، ويكون المعنى : سيغلبهم المسلمون في بضع سنين ، عند انقضاء هذه المدة التي هي أقصى مدلول البضع . .
أخذ المسلمون في جهاد الروم ، وكان شيخنا الأستاذ أبو جعفر بن الزبير يحكي عن أبي الحكم بن برجان أنه استخرج من قوله تعالى : { الم * غُلِبَتِ الرُّومُ } إلى قوله : { فِى بِضْعِ سِنِينَ } ، افتتاح المسلمين بيت المقدس ، معيناً زمانه ويومه ، وكان إذ ذاك بيت المقدس قد غلبت عليه النصارى ، وأن ابن برجان مات قبل الوقت الذي كان عينه للفتح ، وأنه بعد موته بزمان افتتحه المسلمون في الوقت الذي عينه أبو الحكم . وكان أبو جعفر يعتقد في أبي الحكم هذا ، أنه كان يطلع على أشياء من المغيبات يستخرجها من كتاب الله . .
{ للَّهِ الاْمْرُ } : أي إنفاذ الأحكام وتصريفها على ما يريد . وقرأ الجمهور : { مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ } ، بضمهما : أي من قبل غلبة الروم ومن بعدها . ولما كانا مضافين إلى معرفة ، وحذفت بنيا على الضم ، والكلام على ذلك مذكور في علم النحو . وقرأ أبو السمال ، والجحدري ، وعون العقيلي : من قبل ومن بعد ، بالكسر والتنوين فيهما . قال الزمخشري : على الجر من غير تقدير مضاف إليه واقتطاعه ، كأنه قيل : قبلاً وبعداً ، بمعنى أولاً وآخراً . انتهى . وقال ابن عطية : ومن العرب من يقول : من قبل ومن بعد ، بالخفض والتنوين . قال الفراء : ويجوز ترك التنوين ، فيبقى كما هو في الإضافة ، وإن حذف المضاف . انتهى . وأنكر النحاس ما قاله الفراء ورده ، وقال الفراء في كتابه : في القرآن أشياء كثيرة من الغلط ، منها : أنه زعم أنه يجوز من قبل ومن بعد ، وإنما يجوز من قبل ومن بعد على أنهما نكرتان ، والمعنى : من متقدم ومن متأخر . وحكى الكسائي عن بعض بني أسد لله : الأمر من قبل ومن بعد الأول مخفوض منوّن ، والثاني مضموم بلا تنوين . والظاهر أن يومئذ ظرف { يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ } ، وعلى هذا المعنى فسره المفسرون . .
وقيل : { وَيَوْمَئِذٍ } عطف على : { مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ } ، كأنه حصر الأزمنة الثلاثة : الماضي والمستقبل والحال ، ثم ابتدأ الإخبار بفرح المؤمنين بالنصر . و { بِنَصْرِ اللَّهِ } : أي الروم على فارس ، أو المسلمين على عدوهم ، أو في أن صدق ما قال الرسول من أن الروم ستغلب فارس ، أو في أن يسلط بعض الظالمين على بعض ، حتى تفانوا وتناكصوا ، احتمالات . وفي الحديث : ( فارس نطحة أو نطحتان ، ثم لا فارس بعدها أبداً ، والروم ذات القرون ، كلما ذهب قرن خلف قرن إلى آخر الأبد ) . .
وقال ابن عباس : يوم بدر كانت هزيمة عبدة الأوثان وعبدة النيران ، وقال معناه أبو سعيد الخدري ، وقيل : ورد الخبر يوم الحديبية بوفاة كسرى ، فسر المسلمون بحرب المشركين ، ولموت عدو لهم في الأرض متمكن . وهو { الْعَزِيزُ } بانتقامه من أعدائه ، { الرَّحِيمِ } لأوليائه . وانتصب { وَعَدَ اللَّهُ } على أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة التي تقدمت ، وهو قوله : { سَيَغْلِبُونَ } ، وقوله : { يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ } . { وَلَاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ } الكفار من قريش وغيرهم ، { لاَّ يَعْلَمُونَ } : نفي عنهم العلم النافع للآخرة ، وقد أثبت لهم العلم بأحوال الدنيا . قيل : والمعنى لا يعلمون أن الأمور من عند الله ، وأن وعده لا يخلفه ، وأن ما يورده بعينه / صلى الله عليه وسلم ) ، حق . { يَعْلَمُونَ ظَاهِراً } : أي بيناً ، أي ما أدّته إليهم حواسهم ، فكأن علومهم إنما هي علوم البهائم . وقال ابن عباس ، والحسن ، والجمهور : معناه ما فيه الظهور والعلوّ في الدنيا من اتقان الصناعات والمباني ومظان كسب المال والفلاحات ، ونحو هذا . وقالت فرقة : معناه ذاهباً زائلاً ، أي يعلمون أمور الدنيا التي لا بقاء لها ولا عاقبة . وقال الهذلي : % ( وعيرها الواشون أني أحبها % .
وتلك شكاة ظاهر عنك عارها .
) % .
.
أي : زائل . وقال ابن جبير : { ظَاهِراً } ، أي يعلمون من قبل الكهنة مما يسترقه الشياطين . وقال الرماني : كل ما يعلم بأوائل الرؤية فهو الظاهر ، وما يعلم بدليل العقل فهو الباطن . وقال الزمخشري : { يَعْلَمُونَ } بدل من قول : { لاَّ يَعْلَمُونَ } ، وفي هذا الإبدال من النكتة أنه أبدله منه ، وجعله بحيث يقوم مقامه ويسد مسده ، لنعلمك أنه لا فرق بين عدم العلم الذي هو الجهل ، وبين وجود العلم الذي لا يتجاوز الدنيا . وقوله : { ظَاهِراً مّنَ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا } : يفيد أن للدنيا ظاهراً اً وباطناً ، فظاهرها ما