@ 157 @ بالجزيرة . وقال السدي : بأرض الأردن وفلسطين ، فشق ذلك على المسلمين لكونهم مع الروم أهل الكتاب ، وفرح بذلك المشركون لكونهم مع المجوس ليسوا بأهل كتاب . وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، أن الروم { سَيَغْلِبُونَ * فِى بِضْعِ سِنِينَ } . .
ونزلت أوائل الروم ، فصاح أبو بكر بها في نواحي مكة : { الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِى أَدْنَى الاْرْضِ وَهُم مّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِى بِضْعِ سِنِينَ } . فقال ناس من مشركي قريش : زعم صاحبك أن الروم ستغلب فارساً في بضع سنين ، أفلا نراهنك على ذلك ؟ فقال : بلى ، وذلك قبل تحريم الرهان . فاتفقوا أن جعلوا بضع سنين وثلاث قلائص ، وأخبر أبو بكر رسول الله بذلك فقال : ( هلا اختطبت ؟ فارجع فزدهم في الأجل والرهان ) . فجعلوا القلائص مائة ، والأجل تسعة أعوام . فظهرت الروم على فارس في السنة السابعة ، وكان ممن راهن أبيّ بن خلف . فلما أراد أبو بكر الهجرة ، طلب منه أبيّ كفيلاً بالخطر إن غلبت ، فكفل به ابنه عبد الرحمن . فلما أراد أبيّ الخروج إلى أحد ، طلبه عبد الرحمن بالكفيل ، فأعطاه كفيلاً ومات أبيّ من جرح جرحه النبي صلى الله عليه وسلم ) . وظهر الروم على فارس يوم الحديبية . وقيل : كان النصر يوم بدر للفريقين ، فأخذ أبو بكر الخطر من ذرية أبي ، وجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، فقال له : ( تصدق به ) . .
وسبب ظهور الروم ، أن كسرى بعث إلى شهريزان ، وهو الذي ولاه على محاربة الروم ، أن اقتل أخاك فرّخان لمقالة قالها ، وهي قوله : لقد رأيتني جالساً على سرير كسرى ، فلم يقتله . فبعث إلى فارس أني عزلت شهريزان ووليت أخاه فرّخان ، وكتب إليه : إذا ولي ، أن يقتل أخاه شهريزان ، فأراد قتله ، فأخرج له شهريزان ثلاث صحائف من كسرى يأمره بقتل أخيه فرّخان . قال : وراجعته في أمرك مراراً ، ثم تقتلني بكتاب واحد ؟ فرد الملك إلى أخيه . وكتب شهريزان إلى قيصر ملك الروم ، فتعاونا على كسرى ، فغلبت الروم فارس ، وجاء الخبر ، ففرح المسلمون . وكان ذلك من الآيات البينات الشاهدة بصحة النبوة ، وأن القرآن من عند الله ، لأنها إيتاء من علم الغيب الذي لا يعلمه إلاّ الله . .
وقرأ علي ، وأبو سعيد الخدري ، وابن عباس ، وابن عمر ، ومعاوية بن قرة ، والحسن : { غُلِبَتِ الرُّومُ } : مبنياً للفاعل ، { سَيَغْلِبُونَ } : مبنياً للمفعول ؛ والجمهور : مبنياً للمفعول ، سيغلبون : مبنياً للفاعل . وتأويل ذلك على ما فسره ابن عمران : الروم غلبت على أدنى ريف الشأم ، يعنى : بالريف السواد . وجاء كذلك عن عثمان ، وتأوله أبو حاتم على أن الروم غلبت يوم بدر ، فعز ذلك على كفار قريش ، وسر المؤمنون ، وبشر الله عباده بأنهم سيغلبون في بضع سنين . انتهى . فيكون قد أخبر عن الروم بأنهم قد غلبوا ، وبأنهم سيغلبون ، فيكون غلبهم مرتين . قال ابن عطية : والقراءة بضم الغين أصح . وأجمع الناس على سيغلبون بفتح الياء ، يراد به الروم . وروي عن ابن عمر أنه قرأ سيغلبون بضم الياء ، وفي هذه القراءة قلب المعنى الذي تظاهرت به الروايات . انتهى . وقوله : وأجمعوا ، ليس كذلك . ألا ترى أن الذين قرؤا غلبت بفتح الغين هم الذين قرؤا سيغلبون بضم الياء وفتح اللام ، وليست هذه مخصوصة بابن عمر ؟ وقرأ الجمهور : غلبهم ، بفتح الغين واللام : وعلي ، وابن عمر ، ومعاوية بن قرة : بإسكانها ؛ والقياس عن ابن عمر : وغلابهم ، على وزن كتاب . والروم : طائفة من النصارى ، وأدنى الأرض : أقر بها : فإن كانت الواقعة في أذرعات ، فهي أدنى الأرض بالنظر إلى مكة ، وهي التي ذكرها امرؤ القيس في قوله : % ( تنوّرتها من أذرعات وأهلها % .
بيثرب أدنى دارها نظر عال .
) % .
.
وإن كانت بالجزيرة ، فهي أدنى بالنظر إلى أرض كسرى . فإن كانت بالاردن ، فهي أدنى بالنظر إلى أرض الروم . وقرأ الكلبي : { فِى أَدْنَى الاْرْضِ } ، وتقدم الكلام في مدلول البضع باعتبار القراءتين . ففي غلبت ، بضم الغين ، يكون مضافا