@ 109 @ ظل شجرة . قيل : كانت سمرة . وقيل : إلى ظل جدار لا سقف له . وقيل : جعل ظهره يلي ما كان يلي وجهه من الشمس . { فَقَالَ رَبّ إِنّى لِمَا أَنزَلْتَ إِلَىَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } ، قال المفسرون : تعرض لما يطعمه ، لما ناله من الجوع ، ولم يصرح بالسؤال ؛ وأنزلت هنا بمعنى تنزل . وقال الزمخشري : وعدى باللام فقير ، لأنه ضمن معنى سائل وطالب . ويحتمل أن يريد ، أي فقير من الدنيا لأجل ما أنزلت إليّ من خير الدين ، وهو النجاة من الظالمين ، لأنه كان عند فرعون في ملك وثروة ، قال ذلك رضا بالبدل السني وفرحاً به وشكراً له . وقال الحسن : سأل الزيادة في العلم والحكمة . .
{ فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِى عَلَى اسْتِحْيَاء } : في الكلام حذف ، والتقدير : فذهبتا إلى أبيهما من غير إبطاء في السقي ، وقصتا عليه أمر الذي سقى لهما ، فأمر إحداهما أن تدعوه له . { فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا } . قرأ ابن محيصن : فجاءته إحداهما ، بحذف الهمزة ، تخفيفاً على غير قياس ، مثل : ويل أمه في ويل أمه ، ويابا فلان ، والقياس أن يجعل بين بين ، وإحداهما مبهم . فقيل : الكبرى ، وقيل : كانتا توأمتين ، ولدت الأولى قبل الأخرى بنصف نهار . وعلى استحياء : في موضع الحال ، أي مستحيية متحفزة . قال عمر بن الخطاب : قد سترت وجهها بكم درعها ؛ والجمهور : على أن الداعي أباهما هو شعيب عليه السلام ، وهما ابنتاه . وقال الحسن : هو ابن أخي شعيب ، واسمه مروان . وقال أبو عبيدة : هارون . وقيل : هو رجل صالح ليس من شعيب ينسب . وقيل : كان عمهما صاحب الغنم ، وهو المزوج ، عبرت عنه بالأب ، إذ كان بمثابته . { لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا } ، في ذلك ما كان عليه شعيب من الإحسان والمكافأة لمن عمل له عملاً ، وإن لم يقصد العالم المكافأة . .
{ فَلَمَّا جَاءهُ } : أي فذهب معهما إلى أبيهما ، وفي هذا دليل على اعتماد أخبار المرأة ، إذ ذهب معها موسى ، كما يعتمد على أخبارها في باب الرواية . { وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ } : أي ما جرى له من خروجه من مصر ، وسبب ذلك . { قَالَ لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } : أي قبل الله دعاءك في قولك : { رَبّ نَجّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } ، أو أخبره بنجاته منهم ، فأنسه بقوله : { لاَ تَخَفْ } ، وقرب إليه طعاماً ، فقال له موسى : إنا أهل بيت ، لا نبيع ديننا بملء الأرض ذهباً ، فقال له شعيب : ليس هذا عوض السقي ، ولكن عادتي وعادة آبائي قري الضيف وإطعام الطعام ؛ فحينئذ أكل موسى عليه السلام . .
{ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا } : أبهم القائلة ، وهي الذاهبة والقائلة والمتزوجة ، { إِحْدَاهُمَا ياأَبَتِ اسْتَجِرْهُ } : أي لرعي الغنم وسقيها . ووصفته بالقوة : لكونه رفع الصخرة عن البئر وحده ، وانتزع بتلك الدلو ، وزاحمهم حتى غلبهم على الماء ؛ وبالأمانة : لأنها حين قام يتبعها هبت الريح فلفت ثيابها فوصفتها ، فقال : ارجعي خلفي ودليني على الطريق . وقولها كلام حكيم جامع ، لأنه إذا اجتمعت الكفاية والأمانة في القائم بأمر ، فقد تم المقصود ، وهو كلام جرى مجرى المثل ، وصار مطروقاً للناس ، وكان ذلك تعليلاً للاستئجار ، وكأنها قالت : استأجره لأمانته وقوته ، وصار الوصفات منبهين عليه . ونظير هذا التركيب قول الشاعر : % ( ألا إن خير الناس حياً وهالكا % .
أسير ثقيف عندهم في السلاسل .
) % .
جعل خير من استأجرت الاسم ، اعتناء به . وحكمت عليه بالقوة والأمانة . ولما وصفته بهذين الوصفين قال لها أبوها : ومن أين عرفت هذا ؟ فذكرت إقلاله الحجر وحده ، وتحرجه من النظر إليها حين وصفتها الريح ؛ وقاله ابن عباس ، وقتادة ، وابن زيد ، وغيرهم . وقيل : قال لها موسى ابتداء : كوني ورائي ، فإني رجل لا أنظر إلى أدبار النساء ، ودليني على الطريق يميناً أو يساراً .