@ 108 @ الذي يسلكه إلى مكان مأمنه . وقال مجاهد : سواء السبيل : طريق مدين . وقال الحسن : هو سبيل الهدى ، فمشى موسى عليه السلام إلى أن وصل إلى مدين ، ولم يكن في طاعة فرعون . .
{ وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ } : أي وصل إليه ، والورود بمعنى الوصول إلى الشيء ، وبمعنى الدخول فيه . قيل : وكان هذا الماء بئراً . والأمة : الجمع الكثير ، ومعنى عليه : أي على شفيره وحاشيته . { يُسْقَوْنَ } : يعني مواشيهم . { وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ } : أي من الجهة التي وصل إليها قبل أن يصل إلى الأمة ، فهما من دونهم بالإضافة إليه ، قاله ابن عطية . وقال الزمخشري : في مكان أسفل من مكانهم . { تَذُودَانِ } ، قال ابن عباس وغيره : تذودان غنمهما عن الماء خوفاً من السقاة الأقوياء . وقال قتادة : تذودان الناس عن غنمهما . قال الزجاج : وكأنهما تكرهان المزاحمة على الماء . وقيل : لئلا تختلط غنمهما بأغنامهم . وقيل : تذودان عن وجوههما نظر الناظر لتسترهما . وقال الفراء : تحبسانها عن أن تتفرق ، واسم الصغرى عبرا ، واسم الكبر صبورا . .
ولما رآهما موسى عليه السلام واقفتين لا تتقدمان للسقي ، سألهما فقال : { مَا خَطْبُكُمَا } ؟ قال ابن عطية : والسؤال بالخطب إنما هو في مصاب ، أو مضطهد ، أو من يشفق عليه ، أو يأتي بمنكر من الأمر . قال الزمخشري : وحقيقته : ما مخطوبكما ؟ أي ما مطلوبكما من الذياد ؟ سمى المخطوب خطباً ، كما سمى الشؤون شأناً في قولك : ما شأنك ؟ يقال : شانت شأنه ، أي قصدت قصده . انتهى . وفي سؤاله عليه الصلاة والسلام دليل على جواز مكالمة الأجنبية فيما يعنّ ولم يكن لأبيهما أجير ، فكانتا تسوقان الغنم إلى الماء ، ولم تكن لهما قوة الإستقاء ، وكان الرعاة يستقون من البئر فيسقون مواشيهم ، فإذا صدروا ، فإن بقي في الحوض شيء سقتا . فوافى موسى عليه السلام ذلك اليوم وهما يمنعان غنمهما عن الماء ، فرق عليهما وقال : { مَا خَطْبُكُمَا } ؟ وقرأ شمر : بكسر الخاء ، أي من زوجكما ؟ ولم لا يسقي هو ؟ وهذه قراءة شاذة نادرة . .
{ قَالَتَا لاَ نَسْقِى } . وقرأ ابن مصرف : لا نسقي ، بضم النون . وقرأ أبو جعفر ، وشيبة ، والحسن ، وقتادة ، والعربيان : يصدر ، بفتح الياء وضم الدال ، أي يصدرون بأغنامهم ؛ وباقي السبعة ، والأعرج ، وطلحة ، والأعمش ، وابن أبي إسحاق ، وعيسى : بضم الياء وكسر الدال ، أي يصدرون أغنامهم . وقرأ الجمهور : الرعاء ، بكسر الراء : جمع تكسير . قال الزمخشري : وأما الرعاء بالكسر فقياس ، كصيام وقيام . انتهى . وليس بقياس ، لأنه جمع راع ؛ وقياس فاعل الصفة التي للعاقل أن تكسر على فعلة ، كقاض وقضاة ، وما سوى جمعه هذا فليس بقياس . وقرىء : الرعاء ، بضم الراء ، وهو اسم جمع ، كالرخال والثناء . قال أبو الفضل الرازي : وقرأ عياش ، عن أبي عمرو : الرعاء ، بفتح الراء ، وهو مصدر أقيم مقام الصفة ، فاستوى لفظ الواحد والجماعة فيه ، وقد يجوز أنه حذف منه المضاف . { وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ } : اعتذار لموسى عن مباشرتهما السقي بأنفسهما ، وتنبيه على أن أباهما لا يقدر على السقي لشيخه وكبره ، واستعطاف لموسى في إعانتهما . .
{ فَسَقَى لَهُمَا } : أي سقى غنمهما لأجلهما . وروي أن الرعاة كانوا يضعون على رأس البئر حجراً لا يقله إلا عدد من الرجال ، واضطرب النقل في العدد ، فأقل ما قالوا سبعة ، وأكثره مائة ، فأقله وحده . وقيل : كانت لهم دلو لا ينزع بها إلا أربعون ، فنزع بها وحده . وروي أنه زاحمهم على الماء حتى سقى لهما ، كل ذلك رغبة في الثواب على ما كان به من نصب السفر وكثرة الجوع ، حتى كانت تظهر الخضرة في بطنه من البقل . وقيل : إنه مشى حتى سقط أصله ، وهو باطن القدم ، ومع ذلك أغاثهما وكفاهما أمر السقي . وقد طابق جوابهما لسؤاله . سألهما عن سبب الذود ، فأجاباه : بأنا امرأتان ضعيفتان مستورتان ، لا نقدر على مزاحمة الرجال ، فتؤخر السقي إلى فراغهم . ومباشرتهما ذلك ليس بمحظور ، وعادة العرب وأهل البدو في ذلك غير عادة أهل الحضر والأعاجم ، لا سيما إذا دعت إلى ذلك ضرورة . { ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظّلّ } ، قال ابن مسعود :