@ 107 @ .
وقال ابن قتيبة : يأمر بعضهم بعضاً بقوله ، من قوله تعالى : { وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ } . { فَاخْرُجْ إِنّى لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ } . ولك : متعلق إما بمحذوف ، أي ناصح لك من الناصحين ، أو بمحذوف على جهة البيان ، أي لك أعني ، أو بالناصحين ، وإن كان في صلة أل ، لأنه يتسامح في الظرف والمجرور ما لا يتسامح في غيرهما . وهي ثلاثة أقوال للنحويين فيما أشبه هذا ، فامتثل موسى ما أمره به ذلك الرجل ، وعلم صدقه ونصحه ، وخرج وقد أفلت طالبيه فلم يجدوه . وكان موسى لا يعرف ذلك الطريق ، ولم يصحب أحداً ، فسلك مجهلاً ، واثقاً بالله تعالى ، داعياً راغباً إلى ربه في تنجيته من الظالمين . .
{ وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبّى أَن يَهْدِيَنِى سَوَاء السَّبِيلِ * وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَينِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا } . .
{ تَوَجَّهَ } : رد وجهه . و { تِلْقَاء } : تقدم الكلام عليه في يونس ، أي ناحية وجهه . استعمل المصدر استعمال الظرف ، وكان هناك ثلاث طرق ، فأخذ موسى أوسطها ، وأخذ طالبوه في الآخرين وقالوا : المريب لا يأخذ في أعظم الطرق ولا يسلك إلاّ بنياتها . فبقي في الطريق ثماني ليال وهو حاف ، لا يطعم إلا ورق الشجر . والظاهر من قوله : { عَسَى رَبّى أَن يَهْدِيَنِى سَوَاء السَّبِيلِ } ، أنه كان لا يعرف الطريق ، فسأل ربه أن يهديه أقصد الطريق بحيث أنه لا يضل ، إذ لو سلك ما لا يوصله إلى المقصود لتاه . وعن ابن عباس : قصد مدين وأخذ يمشي من غير معرفة ، فأوصله الله إلى مدين . وقيل : هداه جبريل إلى مدين . وقيل : ملك غيره . وقيل : أخذ طريقاً يأمن فيه ، فاتفق ذهابه إلى مدين . والظاهر أن سواء السبيل : وسط الطريق