@ 80 @ { وَمَن يُضْلِلِ } ومن يخذل { فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاء } أنصاراً انتهى . وهو على طريقة الأعتزال ومن مفعول بيهد وبيضلل ، وحمل على اللفظ في قوله { فَهُوَ الْمُهْتَدِى } فأفرد ملاحظة لسبيل الهدى وهو واحدة فناسرب التوحيد التوحيد ، وحمل على المعنى في قوله { فَلَنْ * نَجِدْ * لَهُمْ أَوْلِيَاء } لا على اللفظ ملاحظة لسبيل الضلال فإنها متشعبة متعددة فناسب التشعيب والتعديد الجمع ، وهذا من المواضع التي جاء فيها الحمل على المعنى ابتداءً من غير أن يتقدّم الحمل على اللفظ وهي قليلة في القرآن ، والظاهر أن قوله { عَلَى وُجُوهِهِمْ } حقيقة كما قال تعالى { يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِى النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ } الذي يحشرون على وجوههم إلى جهنم . وفي هذا حديث قيل : يا رسول الله كيف يمشي الكافر على وجهه ؟ قال : ( أليس الذي أمشاه في الدنيا على رجلين قادراً أن يمشيه في الآخرة على وجهه ) . قال قتادة : بلى وعزة ربنا . وقيل : { عَلَى وُجُوهِهِمْ } مجاز يقال للمنصرف عن أمر خائباً مهموماً انصرف على وجهه ، ويقال للبعير كأنما يمشي على وجهه . وقيل : هو مجاز عن سحبهم على وجوههم على سرعة من قول العرب قدم القوم على وجوههم إذا أسرعوا . .
والظاهر أن قوله { عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمّا } هو حقيقة وذلك عند قيامهم من قبورهم ، ثم يرد الله إليهم أبصارهم وسمعهم ونطقهم فيرون النار ويسمعون زفيرها وينطقون بما حكى الله عنهم . وقيل : هي استعارات إما لأنهم من الحيرة والذهول يشبهون أصحاب هذه الصفات ، وإما من حيث لا يرون ما يسرهم ولا يسمعونه ولا ينطقون بحجة . وقال الزمخشري : كما كانوا في الدنيا لا يستبصرون ولا ينطقون بالحق ويتصامّون عن سماعه فهم في الآخرة كذلك لا يبصرون ما يقرّ أعينهم ولا يسمعون ما يلذ أسماعهم ولا ينطقون بما يقبل منهم ، ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى انتهى . وهذا قول ابن عباس والحسن قالا المعنى { عُمْيًا } عما يسرهم ، { * بكماً } عن التكلم بحجة { عَلَيْهَا صُمّاً } عما ينفعهم . وقيل : { عُمْيًا } عن النظر إلى ما جعل الله لأوليائه ، { * بكماً } عن مخاطبة الله ، { عَلَيْهَا صُمّاً } عما مدح الله به أولياءه ، وانتصب { عُمْيًا } وما بعد على الحال والعامل فيها { نَحْشُرُهُمْ } . وقيل : يحصل لهم ذلك حقيقة عند قوله { قَالَ * اخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلّمُونِ } فعلى هذا تكون حالاً مقدرة لأن ذلك لم يكن مقارناً لهم وقت الحشر . .
{ كُلَّمَا خَبَتْ } قال ابن عباس : كلما فرغت من إحراقهم فيسكن اللهيب القائم عليهم قدر ما يعادون ثم يثور فتلك زيادة السعير ، فالزيادة في حيزهم ، وأما جهنم فعلى حالها من الشدّة لا يصيبها فتور ، فعلى هذا يكون { خَبَتْ } مجازاً عن سكون لهم مقدار ما تكون إعادتهم كأنهم لما كذبوا بالإعادة بعد الإفناء جعل الله جزاءهم أن سلط النار على أجزائهم تأكلها وتفنيها ثم يعيدها ، لا يزالون على الإفناء والإعادة ليزيد ذلك في تحسيرهم على تكذيبهم ولأنه أدخل في الانتقام من الجاحد ، وقد دل على ذلك بقوله { ذَلِكَ جَزَاؤُهُم } والإشارة بذلك إلى ما تقدم من حشرهم على تلك الحال وصيرورتهم إلى جهنم والعذاب فيها ، والآيات تعم القرآن والحجج التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم ) ونص على إنكار البعث إذ هو طعن في القدرة الإلهية وهذا مع اعترافهم بأنه تعالى منشىء العالم ومخترعه ، ثم إنهم ينكرون الإعادة فصار ذلك تعجيزاً لقدرته . .
وتقدم الكلام على قوله { وَقَالُواْ * أَءذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَءنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً } في هذه السورة فأغنى عن إعادته ، ولما أنكروا البعث نبههم تعالى على عظيم قدرته وباهر حكمته فقال : { أَوَ لَمْ * يَرَوْاْ } وهو استفهام إنكار وتوبيخ لهم على ما كانوا يستبعدونه من الإعادة ، واحتجاج عليهم بأنهم قد رأوا قدرة الله على خلق هذه الأجرام العظيمة التي بعض ما تحويه البشر ، فكيف يقرون بخلق هذا المخلوق العظيم ثم ينكرون إعادة بعض مما خلق وذلك مما لا يحيله العقل بل هو مما يجوزه ، ثم أخبر الصادق بوقوعه فوجب قبوله والرؤية هنا رؤية القلب وهي العلم ، ومعنى { مّثْلُهُمْ } من الإنس لأنهم ليسوا أشد خلقاً منهن كما قال { أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا } وإذا كان قادراً على إنشاء أمثالهم من الإنس من العدم الصرف فهو قادر على أن يعيدهم كما قال { وَهُوَ الَّذِى يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ } وهو أهون عليه . وعطف قوله { وَجَعَلَ لَهُمْ } على قوله