@ 79 @ القمر أعظم من شق الأرض ونبع الماء من بين أصابعه أعظم من نبع الماء من الحجر . وقرأ ابن كثير وابن عامر قال { سُبْحَانَ رَبّى } على الخبر تعجب عليه الصلاة والسلام من اقتراحاتهم عليه ، ونزه ربه عما جوزوا عليه من الإتيان والانتقال وذلك في حق الله مستحيل { هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا } مثلهم { رَسُولاً } ، والرسل لا تأتي إلاّ بما يظهره الله عليهم من الآيات وليس أمرها إليهم إنما ذلك إلى الله . .
{ وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَّسُولاً * قُل لَوْ كَانَ فِى الاْرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مّنَ السَّمَاء مَلَكًا رَّسُولاً * قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا * وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ * الْمُهْتَدِى وَمَن يُضْلِلْ * فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاء مِن دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمّا مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ } . .
الظاهر أن قوله : { وَمَا مَنَعَ النَّاسَ } إخبار من الله تعالى عن السبب الضعيف الذي منعهم من الإيمان ، إذ ظهر لهم المعجز وهو استبعاد أن يبعث الله رسولاً إلى الخلق واحداً منهم ولم يكن ملكاً ، وبعد أن ظهر المعجز فيجب الإقرار والاعتراف برسالته فقولهم : لا بد أن يكون من الملائكة تحكم فاسد ، ويظهر من كلام ابن عطية أن قوله { وَمَا مَنَعَ النَّاسَ } هو من قول الرسول صلى الله عليه وسلم ) قال هذه الآية على معنى التوبيخ والتلهف من النبيّ عليه الصلاة والسلام كأنه يقول متعجباً منهم ما شاء الله كان { مَا مَنَعَكَ * النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ } هذه العلة النزرة والاستبعاد الذي لا يسند إلى حجة ، وبعثة البشر رسلاً غير بدع ولا غريب فيها يقع الإفهام والتمكن من النظر كما لو كان في الأرض ملائكة يسكنونها مطمئنين لكان الرسول إليهم من الملائكة ليقع الإفهام ، وأما البشر فلو بعث إليهم ملك لنفرت طبائعهم من رؤيته ولم تحتمله أبصارهم ولا تجلدت له قلوبهم ، وإنما الله أجرى أحوالهم على معتادها انتهى . .
و { أَن يُؤْمِنُواْ } في موضع نصب و { أَن قَالُواْ } : في موضع رفع ، و { إِذْ } ظرف العامل فيه منع الناس كفار قريش القائلون تلك المقالات السابقة و { الْهُدَى } هو القرآن ومن جاء به ، وليس المراد مجرد القول بل قولهم الناشىء عن اعتقاد والهمزة في { أَبَعَثَ } للإنكار و { رَسُولاً } ظاهره أن نعت ، ويجوز أن يكون { رَسُولاً } مفعول بعث ، و { بَشَرًا } حال متقدمة عليه أي { أَبَعَثَ اللَّهُ * رَسُولاً } في حال كونه { بَشَرًا } ، وكذلك يجوز في قوله { مَلَكًا رَّسُولاً } أي { لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مّنَ السَّمَاء } { رَسُولاً } في حال كونه { مَلَكًا } . وقوله { يَمْشُونَ } يتصرفون فيها بالمشي وليس لهم صعود إلى السماء فيسمعوا من أهلها ويعلمون ما يجب علمه ، بل هم مقيمون في الأرض يلزمهم ما يلزم المكلفين من عبادات مخصوصة وأحكام لا يدرك تفصيلها بالعقل ، { لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم } من جنسهم من يعلمهم ذلك ويلقيه إليهم . .
ولما دعاهم صلى الله عليه وسلم ) إلى الإيمان وتحدى على صدق نبوته بالمعجز الموافق لداعوه ، أمره تعالى أن يعلمهم بأنه تعالى هو الشهيد بينه وبينهم على تبليغه وما قام به من أعباء الرسالة وعدم قبولهم وكفرهم ، وما اقترحوا عليه من الآيات على سبيل العناد ، وأردف ذلك بما فيه تهديد وهو قوله { إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا } بخفيات أسرارهم { بَصِيراً } مطلقاً على ما يظهر من أفعالهم وأقوالهم . والظاهر أن قوله : { وَمَن يَهْدِ اللَّهُ } إخبار من الله تعالى وليس مندرجاً تحت { قُلْ } لقوله { وَنَحْشُرُهُمْ } ويحتمل أن يكون مندرجاً لمجيء { وَمِنْ } بالواو ، ويكون { وَنَحْشُرُهُمْ } إخباراً من الله تعالى . وعلى القول الأول يكون التفاتاً إذ خرج من الغيبة للتكلم ، ولما تقدم دعوة الرسول إلى الإيمان وتحدى بالمعجز الذي آتاه الله ، ولجوّا في كفرهم وعنادهم ولم يجد فيهم ما جاء به من الهدى أخبر بأن ذلك كله راجع إلى مشيئته تعالى وأنه هو الهادي وهو المفضل ، فسلاه تعالى بذلك وأخبر تعالى على سبيل التهديد لهم والوعيد الصدق لحالهم وقت حشرهم يوم القيامة . .
وقال الزمخشري : { وَمَن يَهْدِ اللَّهُ } ومن يوفقه ويلطف به { فَهُوَ الْمُهْتَدِى } لأنه لا يلطف إلاّ بمن عرف أن اللطف ينفع فيه