@ 18 @ الملك فلا يلزم ما قاله لأن القرية إذا ملك عليها مترف ثم فسق ثم آخر ففسق ثم كذلك كثر الفساد وتوالي الكفر ونزل بهم على الآخر من ملوكهم ، ورأيت في النوم أني قرأت وقرىء بحضرتي { وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا } الآية بتشديد الميم . فأقول في النوم : ما أفصح هذه القراءة ، والقول الذي حق عليهم هو وعيد الله الذي قاله رسولهم . وقيل : { الْقَوْلِ } لأملان وهؤلاء في النار ولا أبالي . .
والتدمير الإهلاك مع طمس الأثر وهدم البناء . { وَكَمْ } في موضع نصب على المفعول بأهلكنا أي كثيراً من القرون { أَهْلَكْنَا * وَمِنْ * الْقُرُونِ } بيان لكم وتمييز له كما يميز العدد بالجنس ، والقرون عاد وثمود وغيرهم ويعني بالإهلاك هنا الإهلاك بالعذاب ، وفي ذلك تهديد ووعيد لمشركي مكة وقال : { مِن بَعْدِ نُوحٍ } ولم يقل من بعد آدم لأن نوحاً أول نبي بالغ قومه في تكذيبه ، وقومه أول من حلت بهم العقوبة بالعظمى وهي الاستئصال بالطوفان . وتقدّم القول في عمر القرن و { مِنْ } الأولى للتبيين والثانية لابتداء الغاية وتعلقا بأهلكنا لاختلاف معنييهما . وقال الحوفي : { مِن بَعْدِ نُوحٍ } من الثانية بدل من الأولى انتهى . وهذا ليس بجيد . وقال ابن عطية : هذه الباء يعني في { وَكَفَى بِرَبّكَ } إنما تجيء في الأغلب في مدح أو ذم انتهى . و { بِذُنُوبِ عِبَادِهِ } تنبيه على أن الذنوب هي أسباب الهلكة ، و { خَبِيرَا بَصِيرًا } لتنبيه على أنه عالم بها فيعاقب عليها ويتعلق بذنوب بخبيراً أو ببصيراً . وقال الحوفي : تتعلق بكفى انتهى . وهذا وهم و { الْعَاجِلَةَ } هي الدنيا ومعنى إرادتها إيثارها على الآخرة ، ولا بد من تقدير حذف دل عليه المقابل في قوله : { مَنْ أَرَادَ * الاْخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ } فالتقدير : من كان يريد العاجلة وسعى لها سعيها وهو كافر . وقيل : المراد { مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ } بعمل الآخرة كالمنافق والمرائي والمهاجر للدنيا والمجاهد للغنيمة والذكر كما قال عليه السلام : ( ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ) . وقال عليه الصلاة والسلام : ( من طلب الدنيا بعمل الآخرة فماله في الآخرة من نصيب ) . .
وقيل : نزلت في المنافقين وكانوا يغزون مع المسلمين للغنيمة لا للثواب ، و { مِنْ } شرط وجوابه { عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا * تَشَاء } فقيد المعجل بمشيئته أي ما يشاء تعجيله . و { لِمَن نُّرِيدُ } بدل من قوله : { لَهُ } بدل بعض من كل لأن الضمير في { لَهُ } عائد على من الشرطية ، وهي في معنى الجمع ، ولكن جاءت الضمائر هنا على اللفظ لا على المعنى ، فقيد المعجل بإرادته فليس من يريد العاجلة يحصل له ما يريده ، ألا ترى أن كثيراً من الناس يختارون الدنيا ولا يحصل لهم منها إلاّ ما قسمه الله لهم ، وكثيراً منهم يتمنون النزر اليسير فلا يحصل لهم ، ويجمع لهم شقاوة الدنيا وشقاوة الآخرة . وقرأ الجمهور { مَا نَشَاء } بالنون وروي عن نافع ما يشاء بالياء . فقيل الضمير في يشاء يعود على الله ، وهو من باب الالتفات فقراءة النون والياء سواء . وقيل يجوز أن يعود على من العائد عليها الضمير في { لَهُ } وليس ذلك عاماً بل لا يكون له ما يشاء إلاّ آحاد أراد الله لهم ذلك ، والظاهر أن الضمير في { لِمَن نُّرِيدُ } يقدر مع تقديره مضاف محذوف يدل عليه ما قبله ، أي لمن نريد تعجيله له أي تعجيل ما نشاء . وقال أبو إسحاق الفزاري المعنى لمن نريد هلكته وما قاله لا يدل عليه لفظ في الآية . .
و { * جلعنا } بمعنى صيرنا ، والمفعول الأول { لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ } والثاني له لأنه ينعقد منهما مبتدأ وخبر ، فنقول : جهنم للكافرين كما قال هؤلاء للنار وهؤلاء للجنة و { يَصْلَاهَا } حال من جهنم . وقال أبو البقاء : أو من الضمير الذي في { لَهُ } . وقال صاحب الغنيان : مفعول { جَعَلْنَا } الثاني محذوف تقديره مصيراً أو جزاءً انتهى . { مَذْمُومًا } إشارة إلى الإهانة . { مَّدْحُورًا } إشارة إلى البعد والطرد من رحمة الله { وَمَنْ أَرَادَ الاْخِرَةَ } أي ثواب الآخرة بأن يؤثرها على الدنيا ، ويعقد إرادته بها { وَسَعَى } فيما كلف من الأعمال والأقوال { سَعْيَهَا } أي السعي المعد للنجاة فيها . { وَهُوَ مُؤْمِنٌ } هو الشرط الأعظم في النجاة فلا تنفع إرادة ولا سعي إلا بحصوله . وفي الحقيقة هو الناشىء عنه إرادة الآخرة والسعي للنجاة فيها وحصول الثواب ، وعن