@ 19 @ بعض المتقدّمين من لم يكن معه ثلاث لم ينفعه عمله : إيمان ثابت ، ونية صادقة ، وعمل مصيب ، وتلا هذه الآية { فَأُوْلَئِكَ } إشارة إلى من اتصف بهذه الأوصاف وراعى معنى من فلذلك كان بلفظ الجمع ، والله تعالى يشكرهم على طاعتهم وهو تعالى المشكور على ما أعطى من العقل وإنزال الكتب وإيضاح الدلائل ، وهو المستحق للشكر حقيقة ومعنى شكرة تعالى المطيع الإثناء عليه وثوابه على طاعته . وانتصب { كَلاَّ } بنمد والإمداد المواصلة بالشي ، والمعنى كل واحد من الفريقين { نُّمِدُّ } كذا قدره الزمخشري : وأعربوا { هَؤُلاء } بدلاً من { كَلاَّ } ولا يصح أن يكون بدلاً من كل على تقدير كل واحد لأنه يكون إذ ذاك بدل كل من بعض ، فينبغي أن يكون التقدير كل الفريقين فيكون بدل كل من كل على جهة التفصيل . والظاهر أن هذا الإمداد هو في الرزق في الدنيا وهو تأويل الحسن وقتادة ، أي أن الله يرزق في الدنيا مريدي العاجلة الكافرين ، ومريدي الآخرة المؤمنين ويمد الجميع بالرزق ، وإنما يقع التفاوت في الآخرة ويدل على هذا التأويل { وَمَا كَانَ عَطَاء رَبّكَ مَحْظُورًا } أي إن رزقه لا يضيق عن مؤمن ولا كافر . .
وعن ابن عباس أن معنى { مِنْ عَطَاء رَبّكَ } من الطاعات لمريد الآخرة والمعاصي لمريد العاجلة ، فيكون العطاء عبارة عما قسم الله للعبد من خير أو شر ، وينبوا لفظ العطاء على الإمداد بالمعاصي . والظاهر أن { أَنظُرْ } بصريه لأن التفاوت في الدنيا مشاهد { وَكَيْفَ } في موضع نصب بعد حذف حرف الجر ، لأن نظر يتعدى به ، فانظر هنا معلقة . ولما كان النظر مفضياً وسبباً إلى العلم جاز أن يعلق ، ويجوز أن يكون { أَنظُرْ } من نظر الفكر فلا كلام في تعليقه إذ هو فعل قلبي . والتفضيل هنا عبارة عن الطاعات المؤدّية إلى الجنة ، والمفضل عليهم الكفار كأنه قيل : انظر في تفضيل فريق على فريق ، وعلى التأويل الأول كأنه قيل في تفضيل شخص على شخص من المؤمنين والكافرين ، والمفضول في قوله : { أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً } محذوف تقديره من درجات الدنيا ومن تفضيل الدنيا . .
وروي أن قوماً من الأشراف ومن دونهم اجتمعوا بباب عمر رضي الله عنه ، فخرج الإذن لبلال وصهيب فشق على أبي سفيان فقال سهيل بن عمر : وإنما أتينا من قبلنا أنهم دعوا ودعينا ، يعني إلى الإسلام فأسرعوا وأبطأنا ، وهذا باب عمر فكيف التفاوت في الآخرة ، ولئن حسدتموهم على باب عمر لما أعد الله لهم في الجنة أكثر . وقرىء أكثر بالثاء المثلثة . وقال ابن عطية : وقوله : { أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ } ليس في اللفظ من أي شيء لكنه في المعنى ، ولا بد { أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ } من كل ما يضاف بالوجود أو بالفرض ، ورأى بعض العلماء أن هذه الدرجات والتفضيل إنما هو فيما بين المؤمنين . وأسند الطبري في ذلك حديثاً ( أن أنزل أهل الجنة وأسفلهم درجة كالنجم يرى في مشارق الأرض ومغاربها وقد أرضى الله الجميع فما يغبط أحد أحداً ) . والخطاب في { لاَّ تَجْعَل } للسامع غير الرسول . وقال الطبري وغيره : الخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم ) ، والمراد لجميع الخلق . { فَتَقْعُدَ } قال الزمخشري : من قولهم شحذ الشفرة حتى قعدت كأنها حربة ، بمعنى صارت . يعني فتصير جامعاً على نفسك الذم وما يتبعه من الهلاك من الذل والخذلان والعجز عن النصرة ممن جعلته شريكاً له انتهى . وما ذهب إليه من استعمال { فَتَقْعُدَ } بمعنى فتصير لا يجوز عند أصحابنا ، وقعد عندهم بمعنى صار مقصورة على المثل ، وذهب الفراء إلى أنه يطرد جعل قعد بمعنى صار ، وجعل من ذلك قول الراجز : % ( لا يقنع الجارية الخضاب % .
ولا الوشاحان ولا الجلباب .
) %