@ 257 @ الضمير في واتخذتموه به عائد على الشرع الذي جاء شعيب عليه السلام . وقيل : الظهري العون وما يتقوى به . قال المبرد : فالمعنى واتخذتم العصيان عنده لدفعي انتهى . فيكون على حذف مضاف أي : واتخذتموه أي عصيانه . قال ابن عطية : وقالت فرقة : واتخذتموه أي وأنتم متخذون الله سند ظهوركم وعماد آمالكم . فقول الجمهور : على أن كفر قوم شعيب كان جحداً بالله وجهلاً به ، وهذا القول الثاني على أنهم كانوا يقرون بالخالق الرازق ويعتقدون الأصنام وسائط ووسائل ، ومن اللفظة الاستظهار بالبينة . وقال ابن زيد : الظهري الفضل ، مثل الحمل يخرج معه بابل ظهارية يعدها إن احتاج إليها ، وإلا فهي فضلة . محيط أحاط بأعمالكم فلا يخفى عليه شيء منها ، وفي ضمنه توعد وتهديد ، وتقدم تفسير نظير قوله : { لاَ يُؤْمِنُونَ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ } وخلاف القراء في مكانتكم . وجوز الفراء ، والزمخشري : في من يأتيه أن تكون موصولة مفعولة بقوله : تعلمون أي : تعلمون الشقي الذي يأتيه عذاب يخزيه والذي هو كاذب ، واستفهامية في موضع رفع على الابتداء ، وتعلمون معلق كأنه قيل : أين يأتيه عذاب يخزيه ، وأينا هو كاذب . قال ابن عطية : والأول أحسن ، يعني كونها مفعولة قال : لأنها موصولة ، ولا يوصل في الاستفهام ، ويقضي بصلتها إن المعطوفة عليها موصولة لا محالة انتهى . وقوله : ويقضي بصلتها الخ لا يقضي بصلتها ، إذ لا يتعين أن تكون موصولة لا محالة كما قال ، بل تكون استفهامية إذا قدرتها معطوفة على من الاستفهامية ، كما قدّرناه وأينا هو كاذب . .
قال الزمخشري : ( فإن قلت ) : أي فرق بين إدخال الفاء ونزعها في سوف تعلمون ؟ ( قلت ) : أدخال الفاء وصل ظاهر بحرف موضوع للوصل ، ونزعها وصل خفي تقديري بالاستئناف الذي هو جواب لسؤال مقدر كأنهم قالوا : فماذا يكون إذا عملنا نحن على مكانتنا ، وعملت أنت ؟ فقال : سوف تعلمون ، يوصل تارة بالفاء ، وتارة بالاستئناف ، كما هو عادة البلغاء من العرب . وأقوى الوصلين وأبلغهما الاستئناف ، وهو باب من أبواب علم البيان تتكاثر محاسنه . قال الزمخشري : ( فإن قلت ) : قد ذكر عملهم على مكانتهم ، وعمله على مكانته ، ثم أتبعه ذكر عاقبة العاملين منه ومنهم ، فكان القياس أن يقول من يأتيه عذاب يجزيه ، ومن هو صادق حتى ينصرف من يأتيه عذاب يخزيه إلى الجاحدين ، ومن هو صادق إلى النبي المبعوث إليهم . ( قلت ) : القياس ما ذكرت ، ولكنهم لما كانوا يعدونه كاذباً قال : ومن هو كاذب يعني في زعمكم ودعواكم تجهيلاً لهم انتهى . وفي ألفاظ هذا الرجل سوء أدب ، والذي قاله ليس بقياس ، لأن التهديد الذي وقع ليس بالنسبة إليه ، ولا هو داخل في التهديد المراد بقوله : سوف تعلمون ، إذ لم يأت التركيب اعملوا على مكانتكم ، وأعمل على مكانتي ، ولا سوف تعلمون . واعلم أن التهديد مختص بهم . واستسلف الزمخشري قوله : قد ذكر عملهم على مكانتهم ، وعمله على مكانته ، فبنى على ذلك سؤالاً فاسداً ، لأن المترتب على ما ليس مذكوراً لا يصح البتة ، وجميع الآية والتي قبلها إنما هي بالنسبة إليهم على سبيل التهديد ، ونظيره في سورة تنزيل : { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } ، فهذا جاء بالنبة للمخاطبين في قوله : قل يا قوم اعملوا على مكانتكم كما جاء هنا ، وارتقبوا : انتظروا العاقبة ، وما أقول لكم . والرقيب بمعنى الراقب فعيل للمبالغة ، أو بمعنى المراقب كالعشير والجليس ، أو بمعنى المرتقب كالفقير والرفيع بمعنى المفتقر والمرتفع ، ويحسن هذا مقابلة فارتقبوا . .
وقال الزمخشري : ( فإن قلت ) : ما بال ساقتي قصة عاد وقصة مدين جاءتا بالواو والساقتان الوسطيان بالفاء ؟ ( قلت ) : قد وقعت الوسطيان بعد ذكر الوعد وذلك قوله : { إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ } { ذالِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ } فجيء بالفاء التي للتسبب كما تقول : وعدته فلما جاء الميعاد كان كيت وكيت ، وأما الأخريان فلم يقعا بتلك المنزلة ، وإنما وقعتا مبتدأتين ، فكان حقهما أن يعطفا بحرف الجمع على ما قبلهما ؟ كما تعطف قصة على قصة انتهى . وتقدم تفسير مثل ولما جاء أمرنا إلى قوله كان لم يغنوا فيها . وقرأ السلمي وأبو حيوة : كما بعدت بضم العين من البعد الذي هو ضد القرب ، والجمهور بكسرها ، أرادت العرب التفرقة بين البعد من جهة الهلاك ، وبين غيره ، فغيروا البناء وقراءة السلمي جاءت على الأصل اعتبار المعنى البعد من غير تخصيص كما يقال : ذهب فلان ، ومضى في معنى القرب .