@ 258 @ وقيل : معناه بعدا لهم من رحمة الله كما بعدت ثمود منها . وقال ابن قتيبة : بعد يبعد إذا كان بعده هلكة ، وبعد يبعد إذ أتاني . وقال النحاس : المعروف في اللغة بعد يبعد بعداً وبعداً إذا هلك . وقال المهدوي : بعد يستعمل في الخير والشر ، وبعد في الشر خاصة . وقال ابن الأنباري : من العرب من يسوي بين الهلاك والبعد الذي هو ضد القرب ، فيقول فيهما بعد يبعد ، وبعد يبعد . وقال مالك بن الريب : في بعد بمعنى هلك ؛ % ( يقولون لا تبعدوهم يدفنونني % .
وأين مكان البعد إلا مكانيا .
) % .
وبعد الفلان دعاء عليه ، ولا يدعى به إلا على مبغض كقولك : سحقاً للكافرين . وقال أهل علم البيان : لم يرد في القرآن استطراد إلا هذا الموضع ، والاستطراد قالوا : هو أن تمدح شيئاً أو تذمه ، ثم تأتي في آخر الكلام بشيء هو غرضك في أوله . قال حسان : % ( إن كنت كاذبة الذي حدثتني % .
فنجوت منجى الحرث بن هشام .
) % % ( ترك الأحبة أن يقاتل دونهم % .
ونجا برأس طمرة ولجام .
) % .
{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ * وَمَلإِيْهِ فَاتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ * يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ * وَأُتْبِعُواْ فِى هَاذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرّفْدُ الْمَرْفُودُ } : الآيات المعجزات التسع : العصا ، واليد ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات ، ومنهم من أبدل النقص بإظلال الجبل . وقيل : الآيات التوراة ، وهذا ليس بسديد ، لأنه قال إلى فرعون وملائه ، والتوراة إنما نزلت بعد هلاك فرعون وملائه . والسلطان المبين هو الحجج الواضحة ، ويحتمل أن يريد بقوله : وسلطان مبين فيها أي في الآيات ، وهي دالة على صدق موسى عليه السلام . ويحتمل أن يريد بها العصا لأنها أبهر تلك الآيات ، فنص عليها كما نص على جبريل وميكائيل بعد ذكر الملائكة على سبيل التشريف بالذكر . والظاهر أن يراد بقوله : أمر فرعون أمره إياهم بالكفر وجحد معجزات موسى ، ويحتمل أن يريد الطريق والشان . وما أمر فرعون برشيد : نفى عنه الرشد ، وذلك تجهيل لمتبعيه حيث شايعوه على أمره ، وهو ضل مبين لا يخفى على من فيه أدنى مسكة من العقل . وذلك أنه ادعى الإلهية وهو بشر مثلهم . عاينوا الآيات والسلطان المبين في أمر موسى عليه السلام ، وعلموا أن معه الرشد والحق ، ثم عدلوا عن اتباعه إلى اتباع من ليس في اتباعه رشد . ويحتمل أن يكون رشيد بمعنى راشد ، ويكون رشيد بمعنى مرشد أي بمرشد إلى خير . وكان فرعون دهرياً نافياً للصانع والمعاد ، وكان يقول : لا إله للعالم ، وإنما يجب على أهل كل بلد أن يشتغلوا بطاعة سلطانهم ، فلذلك كان أمره خالياً عن الرشد بالكلية . والرشد يستعمل في كل ما يحمد ويرتضى ، والغي ضده . ويقال : قدم زيد القوم يقدم قدماً ، وقدوماً تقدمهم والمعنى : أنه يقدم قومه المغزقين إلى النار ، وكما كان قدوة في الضلال متبعاً كذلك يتقدمهم إلى النار وهم يتبعونه ، ويحتمل أن يكون قوله : برشيد بحميد ، العاقبة ، ويكون قوله : يقدم قومه ، تفسيراً لذلك وإيضاحاً أي : كيف يرشد أمر من هذه عاقبته ؟ وعدل عن قبوردهم إلى فأوردهم لتحقق وقوعه لا محالة ، فكأنه قد وقع ، ولما في ذلك من الإرهاب والتخويف . أو هو ماض حقيقة أي : فأوردهم في الدنيا النار أي : موجبه وهو الكفر . ويبعد هذا التأويل الفاء والورود في هذه الآية . ورود الخلود وليس بورود الإشراف على الشيء والإشفاء كقوله : { وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ } ويحتمل أن تكون النار تصيبه على إعمال الثاني لأنه تنازعه يقدم