@ 256 @ كانوا لا يلقون إليه أذهانهم ، ولا يصغون لكلامه رغبة عنه وكراهة له كقوله تعالى : { وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ } أو كانوا يفهمونه ولكنهم لم يقبلوه ، فكأنهم لم يفقهوه ، أو قالوا ذلك على وجه الاستهانة به كما يقول الرجل لصاحبه إذا لم يعبأ بحديثه : ما أدري ما تقول ، أو جعلوا كلامه هذياناً وتخليطاً لا يتفهم كثير منه ، وكيف لا يتفهم كلامه وهو خطيب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام . ثم الذي جاورهم به من الكلام وخاطبهم به هو من أفصح الكلام وأجله وأدله على معانيه بحيث يفقهه من كان بعيداً لفهم ، فضلاً عن الأذكياء العقلاء ، ولكن الله تعالى أراد خذلانهم . ومعنى ضعيفاً : لا قوة لك ولا عز فيما بيننا ، فلا تقدر على الامتناع منه إن أردناك بمكروه ، وعن الحسن : ضعيفاً مهيناً . وقيل : كان ناحل البدن زمنه لا يقع في القلب منه هيبة ولا في العين منه امتلاء ، والعرب تعظم بكبر الأجسام ، وتذم بدمامتها . وقال الباقر : مهجوراً لا تجالس ولا تعاشر . وقال مقاتل : ضعيفاً أي لم يؤمن بك رهطك . وقال السدي : وحيداً في مذهبك واعتقادك . وقال ابن جبير وشريك القاضي : ضعيفاً ضرير البصر أعمى . وحكى الزهراوي والزمخشري : أنّ حمير تسمي الأعمى ضعيفاً ، ويبعده تفسيره هنا بأعمى أو بناحل البدن أو بضعيف البصر كما قاله الثوري . وزعم أبو وق : أن الله لم يبعث نبياً أعمى ، ولا نباً به زماتة ، بل الظاهر أنه ضعيف الانتصار والقدرة . ولولا رهطك احترموه لرهطه إذ كانوا كفاراً مثلهم ، أو كان في عزة ومنعة منهم لرجمناك . ظاهره القتل بالحجارة ، وهي من شر القتلات ، وبه قال ابن زيد ، وقال الطبري : رجمناك بالسب ، وهذا أيضاً تستعمله العرب ومنه : { لارْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِى مَلِيّاً } وقيل : لأبعدناك وأخرجناك من أرضنا . وما أنت علينا بعزيز أي : لا تعز ولا تكرم حتى نكرمك من القتل ، ونرفعك عن الرجم . وإنما يعز علينا رهطك لأنهم من أهل ديننا لم يحتاجوك علينا . وقيل : بعزيز بذي منعة ، وعزة منزلة في نفوسنا . وقيل : بذي غلبة . وقيل : بملك ، وكانوا يسمون الملك عزيزاً . قال الزمخشري : وقد دل إيلاء ضميره حرف النفي على أن الكلام واقع في الفاعل ، لا في الفعل ، كأنه قيل : وما أنت علينا بعزيز بل رهطك هم الأعزة علينا ، ولذلك قال في جوابهم : أرهطي أعز عليكم من الله ؟ ولو قيل : وما عززمت علينا لم يصح هذا الجواب . ( فإن قلت ) : فالكلام واقع فيه وفي رهطه وأنهم الأعزة عليهم دونه ، فكيف صح قوله : أرهطي أعز عليكم من الله ؟ ( قلت ) : تهاونهم به وهو نبي الله تهاون بالله فحين عز عليهم رهطه دونه ، كان رهطه أعز عليهم من الله . ألا ترى إلى قوله تعالى : { مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ } انتهى . والظاهر في قوله : واتخذتموه ، أن الضمير عائد على الله تعالى أي : ونسيتموه وجعلتموه كالشيء المنبوذ وراء الظهر لا يعبأ به . والظهري بكسر الظاء منسوب إلى الظهر من تغييرات النسب ، ونظيره قولهم في النسب إلى الأمس أمسى بكسر الهمزة ، ولما خاطبوه خطاب الإهانة والجفاء جرياً على عادة الكفار مع أنبيائهم ، خاطبهم خطاب الاستعطاف والتلطف جرياً على عادته في إلا أنه القول لهم ، والمعنى : أعز عليكم من الله حتى جعلتم مراعاتي من أجلهم ولم يسندوها إلى الله ، وأنا أولى وأحق أن أراعي من أجله ، فالمراعاة لأجل الخالق أعظم من المراعاة لأجل المخلوق ، والظهري المنسي المتروك الذي جعل كأنه خلف الظهر . وقيل :