@ 234 @ من الذين تشركون ، وجميعاً حال من ضمير كيدوني الفاعل ، والخطاب إنما هو لقومه . وقال الزمخشري : أنتم وآلهتكم انتهى . قيل : ومجاهرة هود عليه السلام لهم بالبراءة من أديانهم ، وحضه إياهم على كيده هم وأصنامهم معجزة لهود ، أو حرض جماعتهم عليه مع انفراده وقوتهم وكثرتهم ، فلم يقدروا على نيله بسوء ، ثم ذكر توكله عل الله معلماً أنه ربه وربهم ، ومنبهاً على أنه من حيث هو ربكم يجب عليكم أن لا تعبدوا إلا إياه ، ومفوضاً أمره إليه تعالى ثقة بحفظه وانجاز موعوده ، ثم وصف قدرة الله تعالى وعظيم ملكه من كون كل دابة في قبضته وملكه وتحت قهره وسلطانه ، فأنتم من جملة أولئك المقهورين . وقوله : آخذ بناصيتها تمثيل ، إذ كان القادر المالك يقود المقدور عليه بناصيته ، كما يقاد الأسير والفرس بناصيته ، حتى صار الأخذ بالناصية عرفاً في القدرة على الحيوان ، وكانت العرب تجز ناصية الأسير الممنون عليه علامة أنه قد قدر عليه وقبض على ناصيته . قال ابن جريج : وخص الناصية لأن العرب إذا وصفت إنساناً بالذلة والخضوع قالت : ما ناصية فلان إلا بيد فلان ، أي أنه مطيع له يصرفه كيف يشاء ثم أخبر أنّ أفعاله تعالى في غاية الإحكام ، وعلى طريق الحق والعدل في ملكه ، لا يفوته ظالم ولا يضيع عنده من توكل عليه ، قوله الصدق ، ووعده الحق . .
وقرأ الجمهور : فإن تولوا أي تتولوا مضارع تولى . وقرأ الأعرج وعيسى الثقفي : تولوا بضم التاء ، واللام مضارع وليّ ، وقيل : تولوا ماض ويحتاج في الجواب إلى إضمار قول ، أي : فقل لهم فقد أبلغتكم ، ولا حاجة تدعو إلى جعله ماضياً وإضمار القول . وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون تولوا فعلاً ماضياً ، ويكون في الكلام رجوع من غيبة إلى خطاب أي : فقد أبلغتكم انتهى . فلا يحتاج إلى إضمار ، والظاهر أنّ الضمير في تولوا عائد على قوم هود ، وخطاب لهم من تمام الجمل المقولة قبل . وقال التبريزي : هو عائد على كفار قريش ، وهو من تلوين الخطاب ، انتقل من خطاب قوم هود إلى الإخبار عمن بحضرة الرسول صلى الله عليه وسلم ) ، وكأنه قيل : أخبرهم عن قصة قوم هود ، وادعهم إلى الإيمان بالله لئلا يصيبهم كما أصاب قوم هود ، فإن تولوا فقل لهم : قد أبلغتكم . وجواب الشرط هو قوله : فق أبلغتكم ، وصح أن يكون جواباً ، لأن في إبلاغه إليهم رسالته تضمن ما يحل بهم من العذاب المستأصل ، فكأنه قيل : فإن تتولوا استؤصلتم بالعذاب . ويدل على ذلك الجملة الخبرية وهي قوله : ويستخلف ربي قوماً غيركم . .
وقال الزمخشري : ( فإن قلت ) : الإبلاغ كان قبل التولي ، فكيف وقع جزاء للشرط ؟ ( قلت ) : معناه فإن تولوا لم أعاقب على تفريط في الإبلاغ ، فإنّ ما أرسلت به إليكم قد بلغكم فأبتم إلا تكذيب الرسالة وعداوة الرسول . وقال ابن عطية : المعنى أنه ما عليّ كبيرهم منكم إن توليتم فقد برئت ساحتي بالتبليغ ، وأنتم أصحاب الذنب في الإعراض عن الإيمان . وقرأ الجمهور : ويستخلف بضم الفاء على معنى الخبر المستأنف أي : يهلككم ويجيء بقوم آخرين يخلفونكم في دياركم وأموالكم . وقرأ حفص في رواية هبيرة : بجزمها عطفاً على موضع الجزاء ، وقرأ عبد الله كذلك ، وبجزم ولا تضروه ، وقرأ الجمهور : ولا تضرونه أي شيئاً من الضرر بتوليتكم ، لأنه تعالى لا تجوز عليه المضار والمنافع . قال ابن عطية : يحتمل من المعنى وجهين : أحدهما : ولا تضرونه بذهابكم وهلاككم شيئاً أي : لا ينقص ملكه ، ولا يختل أمره ، وعلى هذا المعنى قرأ عبد الله بن مسعود ولا تنقصونه شيئاً . والمعنى الآخر : ولا تضرونه أي : ولا تقدرون إذا أهلككم على إضراره بشيء ، ولا على انتصار منه ، ولا تقابلون فعله بشيء يضره انتهى . وهذا فعل منفي ومدلوله نكرة ، فينتفي جميع وجوه الضرر ، ولا يتعين واحد منها . ومعنى حفيظ رقيب محيط بالأشياء علماً لا يخفى عليه أعمالكم ، ولا يغفل عن مؤاخذتكم ، وهو يحفظني مما تكيدونني به . .
{ وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مّنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ * عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَاتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * وَأُتْبِعُواْ * وَأُتْبِعُواْ فِى هَاذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْدًا لّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ } : الأمر واحد الأمور ، فيكون كناية عن العذاب ، أو عن القضاء بهلاكهم . أو مصدر أمر أي أمرنا للريح أو