@ 161 @ ذكر ، بل لكيف كعنيان : أحدهما : الاستفهام المحض ، وهو سؤال عن الهيئة ، إلا أن تعلق عنها العامل فمعناها معنى الأسماء التي يستفهم بها إذا علق عنها العامل . والثاني : الشرط . لقول العرب : كيف تكون أكون وقوله : ولكيف تصرفات إلى آخره ، ليس كيف تحل محل المصدر ، ولا لفظ كيفية هو مصدر ، إنما ذلك نسبة إلى كيف . وقوله : ويحتمل أن يكون هذا الموضع منها ومن تصرفاتها قولهم : كن كيف شئت ، لا يحتمل أن يكون منها ، لأنه لم يثبت لها المعنى الذي ذكر من كون كيف بمعنى كيفية وادعاء مصدر كيفية . وأما كن كيف شئت ، فكيف ليست بمعنى كيفية ، وإنما هي شرطية وهو المعنى الثاني الذي لها . وجوابها محذوف التقدير : كيف شئت فكن ، كما تقول : قم متى شئت ، فمتى اسم شرط ظرف لا يعمل فيه قم ، والجواب محذوف تقديره : متى شئت فقم ، وحذف الجواب لدلالة ما قبله عليه كقولهم : إضرب زيداً إنْ أساء إليك ، التقدير : إن أساء إليك فاضربه ، وحذف فاضربه لدلالة اضرب المتقدم عليه . وأما قول البخاري : كيف كان بدء الوحي ؟ فهو استفهام محض ، إما على سبيل الحكاية كأنّ قائلاً سأله فقال : كيف كان بدء الوحي ؟ فأجاب بالحديث الذي فيه كيفية ذلك . والظالمين : الظاهر أنه أريد به الذين من قبلهم ، ويحتمل أن يراد به من عاد عليه ضمير بل كذبوا . .
{ وَمِنهُمْ مَّن يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَّن لاَّ يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ } : الظاهر أنه إخبار بأنّ من كفار قريش من سيؤمن به وهو من سبقت له السعادة ، ومنهم من لا يؤمن به فيوافى على الكفر . وقيل : هو تقسيم في الكفار الباقين على كفرهم ، فمنهم من يؤمن به باطناً ويعلم أنه حق ولكنه كذب عناد ، ومنهم من لا يؤمن به لا باطناً ولا ظاهراً ، إما لسرعة تكذيبه وكونه لم يتدبره ، وإما لكونه نظر فيه فعارضته الشبهات وليس عنده من الفهم ما يدفعها . وفيه تفريق كلمة الكفار ، وأنهم ليسوا مستوين في اعتقاداتهم ، بل هم مضطربون وإن شملهم التكذيب والكفر . وقيل : الضمير في ومنهم عائد على أهل الكتاب ، والظاهر وعوده على من عاد عليه ضمير أم يقولون ، وتعلق العلم بالمفسدين وحدهم تهديد عظيم لهم . .
{ وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لّى عَمَلِى وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِىء مّمَّا تَعْمَلُونَ } : أي وإن تمادوا على تكذيبك فتبرأ منهم قد أعذرت وبلغت كقوله : { فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنّى بَرِىء مّمَّا تَعْمَلُونَ } ومعنى لي عملي أي : جزاء عملي ولكم جزاء عملكم . ومعنى عملي الصالح المشتمل على الإيمان والطاعة ، ولكم عملكم المشتمل على الشرك والعصيان . والظاهر أنها آية منابذة لهم وموادعة ، وضمنها الوعيد كقوله : { قُلْ ياأَهْلَ * أَيُّهَا * الْكَافِرُونَ } السورة . وقيل : المقصود بذلك استمالتهم وتأليف قلوبهم . وقال قوم منهم ابن زيد : هي منسوخة بالقتال لأنها مكية ، وهو قول : مجاهد ، والكلبي ، ومقاتل . وقال المحققون : ليست بمنسوخة ، ومدلولها اختصاص كل واحد بأفعاله ، وثمراتها من الثواب والعقاب ، ولم ترفع آية السيف شيئاً من هذا . وبدأ في المأمور بقوله : لي عملي لأنه آكد في الانتفاء منهم وفي البراءة بقوله : أنتم بريئون مما أعمل ، لأنّ هذه الجملة جاءت كالتوكيد والتتميم لما قبلها ، فناسب أنْ تلي قوله : ولكم عملكم . ولمراعاة الفواصل ، إذ لو تقدم ذكر براءة كما تقدم ذكر لي عملي لم تقع الجملة فاصلة ، إذ كان يكون التركيب وأنتم بريئون مما أعمل . .
{ وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ * وَمِنهُمْ مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِى الْعُمْىَ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ * إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَاكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } : قال ابن عباس : نزلت الآيتان في النضر بن الحرث وغيره من المستهزئين . وقال ابن الأنباري : في قوم من اليهود انتهى . وهذه الآية فيها تقسيم من لا يؤمن من الكفار إلى هذين القسمين بعد تقسيم المكذبين إلى من يؤمن ومن لا يؤمن ، والضمير في يستمعون عائد على معنى مَن ، والعود على المعنى دون العود على اللفظ في الكثرة وهو كقوله : { وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ } والمعنى : من يستمعون إليك إذا قرأت القرآن وعلمت الشرائع ، ثم نفى جدوى ذلك الاستماع بقوله : أفأنت تسمع الصم أي هم ، وإن استعموا إليك صم عن إدراك ما تلقيه إليهم ليس لهم وعي ولا قبول ، ولا سيما قد انضاف إلى الصمم