@ 162 @ انتفاء العقل ، فجرى بمن عدم السمع والعقل أن لا يكون له إدراك لشيء البتة ، بخلاف أنْ لو كان الأصم عاقلاً فإنه بعقله يهتدي إلى أشياء . وأعاد في قوله : ومنهم من ينظر إليك الضمير مفرداً مذكراً على لفظ من ، وهو الأكثر في لسان العرب . والمعنى : أنهم عمي فلا تقدر على هدايتهم ، لأن السبب الذي يهتدي به إلى رؤية الدلائل فقد فقدوه ، هذا وهم مع فقد البصر قد فقدوا البصيرة ، إذ مَن كان أعمى فإنه مهديه نور بصيرته إلى أشياء بالحدس ، وهذه قد جمع بين فقدان البصر والبصيرة ، وهذا مبالغة عظيمة في انتفاء قبول ما يلقى إلى هؤلاء ، إذ جمعوا بين الصمم وانتفاء العقل ، وبين العمى وفقد البصيرة . وقوله : أفأنت : تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم ) ، وأن لا يكترث بعدم قبولهم ، فإنّ الهداية إنما هي لله . قال ابن عطية : جاء ينظر على لفظ من ، وإذا جاء الفعل على لفظها فجائز أن يعطف عليه آخر على المعنى ، وإذا جاء أولاً على معناها فلا يجوز أن يعطف عليه بآخر على اللفظ ، لأن الكلام يلبس حينئذ انتهى . وليس كما قال ، بل يجوز أن تراعى المعنى أولاً فتعيد الضمير على حسب ما تريد من المعنى من تأنيث وتثنية وجمع ، ثم تراعي اللفظ فتعيد الضمير مفرداً مذكراً ، وفي ذلك تفصيل ذكر في علم النحو . والمقصود من الآيتين : إعلامه عليه السلام بأن هؤلاء الكفار قد انتهوا في النفرة والعداوة والبغض الشديد في رتبة من لا ينفع فيه علاج البتة ، لأنّ من كان أصم أحمق وأعمى فاقد البصيرة لا يمكن ذلك أن يقف على محاسن الكلام وما انطوى عليه من الإعجاز ، ولا يمكن هذا أن يرى ما أجرى الله على يدي رسوله من الخوارق ، فقد أيس من هداية هؤلاء . وقال الشاعر : % ( وإذا خفيت على المعني فعاذر % .
أن لا تراءى مقلة عمياء .
) % .
ولما ذكر تعالى هؤلاء الأشقياء ، ذكر تعالى أنه لا يظلمهم شيئاً ، إذ قد أزاح عللهم ببعثة الرسل وتحذيرهم من عقابه ، ولكن هم ظالمو أنفسهم بالكفر والتكذيب . واحتمل هذا النفي للظلم أنْ يكون في الدنيا أي : لا يظلمهم شيئاً من مصالحهم ، واحتمل أن يكون في الآخرة وأن ما يلحقهم من العقاب هو عدل منه ، لأنهم هم الذين تسببوا فيه باكتساب ذنوبهم كما قدّر تعالى عليهم لا يسأل عما يفعل . وتقدم خلاف القراء في ، ولكنّ الناس من تشديد النون ونصب الناس وتخفيفها والرفع . .
{ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللَّهِ وَمَا كَانُواْ } : قرأ الأعمش وحفص : يحشرهم بالياء راجعاً الضمير غائباً عائداً على الله ، إذ تقدّم { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا } ولما ذكر أولئك الأشقياء أتبعه بالوعيد ، ووصف حالهم يوم القيامة والمعنى : كأن لم يلبثوا في الدنيا أو في القبور يعني : فقليل لبثهم ، وذلك لهول ما يعاينون من شدائد القيامة ، أو لطول يوم القيامة ووقوفهم للحساب . قال ابن عباس : رأوا أنّ طول أعمارهم في مقابلة الخلود كساعة . قال ابن عطية : ويوم ظرف ، ونصبه يصح بفعل مضمر تقديره : واذكر . ويصح أن ينتصب بالفعل الذي يتضمنه قوله : كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار ، ويصح نصبه بيتعارفون ، والكاف من