@ 192 @ٌ وَمُسْتَوْدَعٌ } أي فمنكم مستقر { وَمُسْتَوْدَعٌ } ، وروى هارون الأعور عن أبي عمرو { وَمُسْتَوْدَعٌ } بكسر الدال اسم فاعل ، قال ابن عباس وابن جبير ومجاهد وعطاء والنخعي والضحاك وقتادة والسدّي وابن زيد : مستقر في الرّحم { وَمُسْتَوْدَعٌ } في الصلب ، وقال ابن بحر : عكسه قال والمعنى فذكر وأنث عبر عن الذكر بالمستقر لأن النطفة إنما تتولد في صلبه وعبر عن الأنثى بالمستودع لأن رحمها مستودع للنطفة ، وقال ابن مسعود : إن المستقر في الرّحم والمستودع في القبر ، وروي عن ابن عباس المستقر في الأرض والمستودع في الأصلاب وعنه كلاهما في الرّحم ، وعنه المستقر حيث يأوي والمستودع حيث يموت وعنه المستقر من خلق والمستودع من لم يخلق ، وقال مجاهد : المستقر في الدّنيا والمستودع عند الله ، وقيل : كلاهما في الدّنيا ، وقيل : المستقر الجنة والمستودع النار . وقيل : مستقر في الآخرة بعمله { وَمُسْتَوْدَعٌ } في أصله ينتقل من حال إلى حال ومن وقت إلى وقت إلى انتهاء أجله انتهى ، والذي يقتضيه النظر أن الاستقرار والاستيداع حالان يعتوران على الإنسان من الظهر إلى الرحم إلى الدنيا إلى القبر إلى الشحر إلى الجنة أو إلى النار ، وفي كل رتبة يحصل له استقرار واستيداع استقرار بالإضافة إلى ما قبلها واستيداع بالإضافة إلى ما بعدها ولفظ الوديعة يقتضي الانتقال . .
{ وَقَدْ * فَصَّلْنَا الاْيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ } لما كان الاهتداء بالنجوم واضحاً ختمه بقوله : { يَعْلَمُونَ } أي من له أدنى إدراك ينتفع بالنظر في النجوم وفائدتها ، ولما كان الإنشاء من نفس واحدة والتصريف في أحوال كثيرة يحتاج إلى فكر وتدقيق نظر ختمه بقوله : { يَفْقَهُونَ } إذ الفقه هو استعمال فطنة ودقة نظر وفكر فناسب ختم كل جملة بما يناسب ما صدّر به الكلام . .
{ وَهُوَ الَّذِى أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلّ شَىْء } لما ذكر إنعامه تعالى بخلقنا ذكر إنعامه علينا بما يقوم به أودنا ومصالحنا والسماء هنا السحاب ، والظاهر أن المعنى بنبات كل شيء ما يسمى نباتاً في اللغة وهو ما ينمو من الحبوب والفواكه والبقول والحشائش والشجر ومعنى { كُلّ شَىْء } مما ينبت وأشار إلى أن السبب واحد والمسببات كثيرة كما قال تعالى : { تَسْقِى * بِمَاء واحِدٍ وَنُفَضّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِى الاْكُلِ } . وقال الطبري : { نَبَاتَ كُلّ شَىْء } جميع ما ينمو من الحيوان والنبات والمعادن وغير ذلك ، لأن ذلك كله يتغذى وينمو بنزول الماء من السماء ، وقال الفراء : معناه رزق كل شيء أي ما يصلح غذاءً لكل شيء فيكون كل شيء مخصوصاً بالمتغذي ويكون إضافة النبات إليه إضافة بيانية بالكلية ، وعلى الوجهين السابقين تكون الإضافة راجعة في المعنى إلى إضافة ما يشبه الصفة إلى الموصوف إذ يصير المعنى : فأخرجنا به كل شيء منبت وفي قوله : { فَأَخْرَجْنَا } التفات من غيبة إلى تكلم بنون العظمة . .
{ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً } أي من النبات غضاً ناضراً طرياً وفأخرجنا معطوف على { فَأَخْرَجْنَا } وأجاز أبو البقاء أن يكون بدلاً من { فَأَخْرَجْنَا } . .
{ نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً } أي من الخضر كالقمح والشعير وسائر القطاني ومن الثمار كالرمان والصنوبر وغيرهما مما تراكب حبه وركب بعضه بعضاً و { كَذالِكَ نُخْرِجُ } جملة في موضع الصفة لخضر أو يجوز أن يكون استئناف إخبار ، وقرأ الأعمش وابن محيصن يخرج منه حب متراكب على أنه مرفوع بيخرج ومتراكب صفة في نصبه ورفعه . .
{ وَمِنْ * النَّحْلِ * مِن طَلْعِهَا قِنْوانٌ دَانِيَةٌ } أي قريبة من المتناول لقصرها ولصوق عروقها بالأرض قاله ابن عباس والبراء والضحاك وحسنه الزمخشري فقال : سهلة المجتنى معرضة للقاطف كالشيء الداني القريب المتناول ولأن النخلة وإن كانت صغيرة ينالها القاعد فإنها تأتي بالثمر ، وقال الحسن : قريب بعضها من