@ 275 @ عليه . { كَيْفَ } : قد تقدم أنه اسم استفهام عن حال ، وصحيه معنى التقرير والتوبيخ ، فخرج عن حقيقة الاستفهام . وقيل : صحبه الإنكار والتعجب ، أي إن من كان بهذه المثابة من القدرة الباهرة والتصرف التام والمرجع إليه آخراً فيثيب ويعاقب ، لا يليق أن يكفر به . والإنكار بالهمزة إنكار لذات الفعل ، وبكيف إنكار لحاله وإنكار حاله إنكار لذاته ، لأن ذاته لا تخلو من حال يقع فيها ، فاستلزم إنكار الحال إنكار الذات ضرورة ، وهو أبلغ ، إذ يصير ذلك من باب الكناية حيث قصد إنكار الحال ، والمقصود إنكار وقوع ذات الكفر . قال الزمخشري : وتحريره أنه إذا أنكر أن يكون لكفرهم حال يوجد عليها ، وقد علم أن كل موجود لا ينفك من حال وصفة عند وجوده ، ومحال أن يوجد تغير صفة من الصفات ، كان إنكاراً لوجوده على الطريق البرهاني ، انتهى كلامه . .
وهذا الخطاب فيه التفات ، لأن الكلام قبل كان بصورة الغيبة ، ألا ترى إلى قوله : { وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ } إلى آخره ؟ وفائدة هذا الالتفات أن الإنكار إذا توجه إلى المخاطب كان أبلغ من توجهه إلى الغائب لجواز أن لا يصله الإنكار ، بخلاف من كان مخاطباً ، فإن الإنكار عليه أردع له عن أن يقع فيما أنكر عليه . والناصب ل { كَيْفَ تَكْفُرُونَ } . وأتى بصيغة تكفرون مضارعاً ولم يأت به ماضياً وإن كان الكفر قد وقع منهم ، لأن الذي أنكر أو تعجب منه الدوام على ذلك ، والمضارع هو المشعر به ولئلا يكون ذلك توبيخاً لمن وقع منه الكفر ثم آمن ، إذ لو جاء كيف كفرتم { بِاللَّهِ } لاندرج في ذلك من كفرتم آمن كأكثر الصحابة رضي الله عنهم . والواو في قوله : { وَكُنتُمْ أَمْواتًا فَأَحْيَاكُمْ } : واو الحال ، نحو قوله تعالى : { وَقَالَ الَّذِى نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ * أُمُّهُ } ، { وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِى مَعْزِلٍ } . قال الزمخشري : فإن قلت فكيف صح أن يكون حالاً ، وهو ماض ؟ ولا يقال : جئت وقام الأمير ، ولكن : وقد قام ، إلا أن يضمر قد . قلت : لم تدخل الواو على كنتم أمواتاً وحده ، ولكن على جملة قوله : كنتم أمواتاً إلي ترجعون ، كأنه قيل : كيف تكفرون بالله وقصتكم هذه وحالكم أنكم كنتم أمواتاً نطفاً في أصلاب آبائكم فجعلكم أحياء ؟ { ثُمَّ يُمِيتُكُمْ } بعد هذه الحياة ؟ { ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } بعد الموت ثم يحاسبكم ؟ انتهى كلامه . ونحن نقول : إنه على إضمار قد ، كما ذهب إليه أكثر الناس ، أي وقد كنتم أمواتاً فأحياكم . والجملة الحالية عندنا فعلية . وأما أن نتكلف ونجعل تلك الجملة اسمية حتى نفر من إضمار قد ، فلا نذهب إلى ذلك ، وإنما حمل الزمخشري على ذلك اعتقاده أن جميع الجمل مندرجة في الحال ، ولذلك قال : فإن قلت ، بعض القصة ماض وبعضها مستقبل ، والماضي والمستقبل كلاهما لا يصح أن يقع حالاً حتى يكون فعلاً حاضراً وقت وجود ما هو حال عنه ، فما الحاضر الذي وقع حالاً ؟ قلت : هو العلم بالقصة ، كأنه قيل : كيف تكفرون وأنتم عالمون بهذه القصة ، وبأولها وبآخرها ؟ انتهى كلامه . .
ولا يتعين أن تكون جميع الجمل مندرجة في الحال ، إذ يحتمل أن يكون الحال قوله : وكنتم أمواتاً فأحياكم ، ويكون المعنى كيف تكفرون بالله وقد خلقكم فعبر عن الخلق بقوله تعالى : { وَكُنتُمْ أَمْواتًا فَأَحْيَاكُمْ } ، ونظيره قوله صلى الله عليه وسلم ) : ( أن تجعل لله نداً وهو خلقك ) أي أن من أوجدك بعد العدم الصرف حر أن لا تكفر به ، لأنه لا نعمة أعظم من نعمة الاختراع ، ثم نعمة الاصطناع ، وقد شمل النعمتين قوله تعالى : { وَكُنتُمْ أَمْواتًا فَأَحْيَاكُمْ * لاِنْ * وَفِى الاْرْضِ إِلَاهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ * وَتَبَارَكَ الَّذِى لَهُ مُلْكُ السَّمَاواتِ وَالاْرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَلاَ يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَن شَهِدَ بِالْحَقّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ } ، كانت حالاً تقتضي أن لا تجامع الكفر ، فلا يحتاج إلى تكلف . إن الحال هو العلم بهذه الجملة . .
وعلى هذا الذي شرحناه يكون قوله تعالى : { ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } جملاً أخبر الله