@ 274 @ ما ، أي وصله ، والتقدير : ويقطعون وصل ما أمر الله به . وأجاز المهدوي وابن عطية أن تكون في موضع نصب مفعولاً من أجله ، وقدره المهدوي كراهية أن يوصل ، فيكون الحامل على القطع لما أمر الله كراهية أن يوصل . وحكى أبو البقاء وجه المفعول من أجله وقدره لئلا ، وأجاز أبو البقاء أن يكون أن يوصل في موضع رفع ، أي هو أن يوصل . وهذه الأعاريب كلها ضعيفة ، ولولا شهرة قائلها لضربت عن ذكرها صفحاً . والأول الذي اخترناه هو الذي ينبغي أن يحمل عليه كلام الله وسواه من الأعاريب ، بعيد عن فصيح الكلام له أفصح الكلام وهو كلام الله . .
{ وَيُفْسِدُونَ فِى الاْرْضِ } ، فيه أربعة أقوال : أحدها : استدعاؤهم إلى الكفر ، والترغيب فيه ، وحمل الناس عليه . الثاني : إخافتهم السبيل ، وقطعهم الطريق على من هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ) وغيرهم . الثالث : نقض العهد . الرابع : كل معصية تعدى ضررها إلى غير فاعلها . وقال ابن عطية : يعبدون غير الله ، ويجوزون في الأفعال ، إذ هي بحسب شهواتهم ، وهذا قريب من القول الرابع . وقد تقدّم ما معنى في الأرض ، والتنبيه على ذكر الأرض ، عند الكلام على قوله : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِى الارْضِ } ، فأغنى عن إعادته هنا . وقد تضمنت هذه الآية الكبيرة نوعاً من البديع يسميه أرباب البيان : بالطباق . وقد تقدّم شيء منه ، وهو أن تأتي بالشيء وضدّه ، ووقع هنا في قوله تعالى : { بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا } ، فإنهما دليلان على الحقير والكبير ، وفي قوله : { فَأَمَّا الَّذِينَ ءامَنُواْ } ، { وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ } ، وفي قوله تعالى : { يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا * وَفِى * قَوْلُهُ * يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ } ، وفي قوله : { ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل . وجاء في هذه الثلاثة الأخيرة مناسبة الطباق ، وهو أن كل أول منها كائن بعد مقابله ، فالضلال بعد الهداية لقوله : كل مولود يولد على الفطرة ، ولدخول أولاد الذين كفروا الجنة إذا ماتوا قبل البلوغ ، والنقض بعد التوثقة ، والقطع بعد الوصل . فهذه ثلاثة تناسبت في الطباق . وفي وصل الذين بالمضارع وعطف المضارعين عليه دليل على تجدد النقض والقطع والإفساد ، وإشعار أيضاً بالديمومة ، وهو أبلغ في الذم ، وبناء يوصل للمفعول هو أبلغ من بنائه للفاعل ، لأنه يشمل ما أمر الله بأن يصلوه أو يصله غيرهم . .
وترتيب هذه الصلات في غاية من الحسن ، لأنه قد بدأ أولاً بنقض العهد ، وهو أخص هذه الثلاث ، ثم ثنى بقطع ما أمر الله بوصله ، وهو أعم من نقض العهد وغيره ، ثم أتى ثالثاً بالإفساد الذي هو أعم من القطع ، وكلها ثمرات الفسق ، وأتى باسم الفاعل صلة للألف واللام ليدل على ثبوتهم في هذه الصفة ، فيكون وصف الفسق لهم ثابتاً ، وتكون النتائج عنه متجدّدة متكررة ، فيكون الذم لهم أبلغ لجمعهم بين ثبوت الأصل وتجدّد فروعه ونتائجه ، ولما ذكر أوصاف الفاسقين أشار إليهم بقوله : { أولئك } ، أي : أولئك الجامعون لتلك الأوصاف الذميمة من النقض والقطع والإفساد . .
{ هُمُ الْخَاسِرُونَ } : وفسر الخاسرون بالناقصين حظوظهم وشرفهم ، وبالهالكين ، وسبب خسرانهم استبدالهم النقض بالوفاء ، والقطع بالوصل ، والإفساد بالإصلاح ، وعقابها بالثواب ، وقيل : الخاسرون المغبونون بفوت المثوبة ولزوم العقوبة وقيل : خسروا نعيم الآخرة ، وقيل : خسروا حسناتهم التي عملوها ، أحبطوها بكفرهم . والآية في اليهود ، ولهم أعمال في شريعتهم وفي المنافقين ، وهم يعملون في الظاهر عمل المخلصين . قال القفال : الخاسر اسم عام يقع على كل من عمل عملاً يجزى