@ 80 @ سيعلمون بأي شيء استهزؤوا وسيظهر لهم أنه لم يكن موضع استهزاء ، وذلك عند إرسال العذاب عليهم في الدنيا أو يوم القيامة أو عند ظهور الإسلام وعلو كلمته ؛ انتهى . وهو على عادته في الإسهاب وشرح اللفظ والمعنى مما لا يدلان عليه ، وجاء هنا تقييد الكذب بالحق والتنفيس ب { سَوْفَ } وفي الشعراء فقد كذبوا فسيأتيهم لأن الأنعام متقدمة في النزول على الشعراء ، فاستوفى فيها اللفظ وحذف من الشعراء وهو مراداً حالة على الأول وناسب الحذف الاختصار في حرف التنفيس ، فجاء بالسين والظاهر أن ما في قوله : { لَّمّاً * كَانُواْ } موصولة اسمية بمعنى الذي والضمير في { بِهِ } عائد عليها . وقال ابن عطية : يصح أن تكون مصدرية التقدير { أَنْبَاء } كونهم مستهزئين فعلى هذا يكون الضمير في { بِهِ } عائد على الحق لا على مذهب الأخفش حيث زعم أن { مَا } المصدرية اسم لا حرف ، ولا ضرورة تدعو إلى كونها مصدرية . .
{ أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِى الاْرْضِ مَا لَمْ نُمَكّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مَّدْرَاراً } لما هددهم وأوعدهم على إعراضهم وتكذيبهم واستهزائهم ، أتبع ذلك بما يجري مجرى الموعظة والنصيحة ، وحض على الاعتبار بالقرون الماضية و { يَرَوْاْ } هنا بمعنى يعلموا ، لأنهم لم يبصروا هلاك القرون السالفة و { كَمْ } في موضع المفعول ب { أَهْلَكْنَا } و { يَرَوْاْ } معلقة والجملة في موضع مفعولها ، و { مِنْ } الأولى لابتداء الغاية و { مِنْ } الثانية للتبعيض ، والمفرد بعدها واقع موقع الجمع ووهم الحوفي في جعله { مِنْ } الثانية بدلاً من الأولى وظاهر الإهلاك أنه حقيقة ، كما أهلك قوم نوح وعاداً وثمود غيرهم ويحتمل أن يكون معنوياً بالمسح قردة وخنازير ، والضمير في { يَرَوْاْ } عائد على من سبق من المكذبين المستهزئين و { لَكُمْ } خطاب لهم فهو التفات ، والمعنى أن القرون المهلكة أعطوا من البسطة في الدنيا والسعة في الأموال ما لم يعط هؤلاء الذين حضوا على الاعتبار بالأمم السالفة وما جرى لهم ، وفي هذا الالتفات تعريض بقلة تمكين هؤلاء ونقصهم عن أحوال من سبق ، ومع تمكين أولئك في الأرض فقد حل بهم الهلاك ، فكيف لا يحل بكم على قلتكم وضيق خطتكم ؟ فالهلاك إليكم أسرع من الهلاك إليهم . وقال ابن عطية : والمخاطبة في { لَكُمْ } هي للمؤمنين ولجميع المعاصرين لهم وسائر الناس كافة ، كأنه قال : { مَا لَمْ نُمَكّن } يا أهل هذا العصر لكم ويحتمل أن يقدر معنى القول لهؤلاء الكفرة ، كأنه قال { إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا } الآية . وإذا أخبرت أنك قلت لو قيل له أو أمرت أن يقال له فلك في فصيح كلام العرب أن تحكي الألفاظ المقولة بعينها ، فتجيء بلفظ المخاطبة ، ولك أن تأتي بالمعنى في الألفاظ ذكر غائب دون مخاطبة ، انتهى . فتقول : قلت لزيد ما أكرمك وقلت لزيد ما أكرمه ، والضمير في { مَّكَّنَّاهُمْ } عائد على { كَمْ } مراعاة لمعناها ، لأن معناها جمع والمراد بها الأمم ، وأجاز الحوفي وأبو البقاء أن يعود على { قَرْنٍ } وذلك ضعيف لأن { مّن قَرْنٍ } تمييز { لَكُمْ } فكم هي المحدث عنها بالإهلاك فتكون هي المحدث عنها بالتمكين ، فما بعده إذ { مّن قَرْنٍ } جرى مجرى التبيين ولم يحدث عنه ، وأجاز أبو البقاء أن يكون { كَمْ } هنا ظرفاً وأن يكون مصدراً ، أي : كم أزمنة أهلكنا ؟ أو كم إهلاكاً أهلكنا ؟ ومفعول { أَهْلَكْنَا مِنَ * قَرْنٍ } على زيادة من وهذا الذي أجازه لا يجوز ، لأنه لا يقع إذ ذاك المفرد موقع الجمع بل تدل على المفرد ، لو قلت : كم أزماناً ضربت رجلاً أو كم مرة ضربت رجلاً ؟ لم يكن مدلوله مدلول رجال ، لأن السؤال إنما هو عن عدد الأزمان أو المرات التي ضرب فيها رجل ، ولأن هذا الموضع ليس من مواضع زيادة { مِنْ } لأنها لا تزاد إلا في الاستفهام المحض أو الاستفهام المراد به النفي ، والاستفهام هنا ليس محضاً ولا يراد به النفي والظاهر أن قوله { مَّكَّنَّاهُمْ } جواب لسؤال مقدر كأنه قيل : ما كان من حالهم ؟ فقيل : { مَّكَّنَّاهُمْ فِى الاْرْضِ } . وقال أبو البقاء : { مَّكَّنَّاهُمْ } في موضع خبر صفة { قَرْنٍ } وجمع على المعنى وما قاله أبو البقاء ممكن ، { وَمَا } في قوله : { مَا لَمْ نُمَكّن لَّكُمْ } جوزوا في إعرابها أن تكون بمعنى الذي ويكون التقدير التمكين ، الذي { لَمْ نُمَكّن