@ 81 @ لَّكُمْ } فحذف المنعوت وأقيم النعت مقامه ، ويكون الضمير العائد على { مَا } محذوفاً أي ما لم نمكنه لكم وهذا لا يجوز ، لأن { مَا } بمعنى الذي لا يكون نعتاً للمعارف وإن كان مدلولها مدلول الذي ، بل لفظ الذي هو الذي يكون نعتاً للمعارف لو قلت ضربت الضرب ما ضرب زيد تريد الذي ضرب زيد لم يجز ، فلو قلت : الضرب الذي ضربه زيد جاز وجوزوا أيضاً أن يكون نكرة صفة لمصدر محذوف تقديره تمكيناً لم نمكنه لكم ، وهذا أيضاً لا يجوز لأن { مَا } النكرة الصفة لا يجوز حذف موصوفها ، لو قلت : قمت ما أو ضربت ما وأنت تريد قمت قياماً ما وضربت ضرباً ما لم يجز ، وهذان الوجهان أجازهما الحوفي وأجاز أبو البقاء أن يكون { مَا } مفعولاً به بتمكن على المعنى ، لأن المعنى أعطيناهم ما لم نعطكم ، وهذا الذي أجازه تضمين والتضمين لا ينقاس ، وأجاز أيضاً أن تكون { مَا } مصدرية والزمان محذوف أي مد { مَا لَمْ نُمَكّن لَّكُمْ } ويعني مدة انتفاء التمكين لكم ، وأجاز أيضاً أن تكون نكرة موصوفة بالجملة المنفية بعدها أي شيئاً لم نمكنه لكم ، وحذف العائد من الصفة على الموصوف وهذا أقرب إلى الصواب وتعدى مكن هنا للذوات بنفسه وبحرف الجر ، والأكثر تعديته باللام { مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِى الاْرْضِ } { إِنَّمَا * مَكَّنَّا لَهُ فِى الاْرْضِ } أو لم نمكن لهم . وقال أبو عبيد { مَّكَّنَّاهُمْ } ومكنا لهم لغتان فصيحتان ، كنصحته ونصحت له والإرسال والإنزال متقاربان في المعنى لأن اشتقاقه من رسل اللبن ، وهو ما ينزل من الضرع متتابعاً و { السَّمَاء } السماء المظلة قالوا : لأن المطر ينزل منها إلى السحاب ، ويكون على حذف مضاف أي مطر { السَّمَاء } ويكون { مُّدْرَاراً } حالاً من ذلك المضاف المحذوف . وقيل : { السَّمَاء } المطر وفي الحديث : ( في أثر سماء كانت من الليل ) ، وتقول العرب : ما زلنا نطأ السماء حتى أتيناكم ، يريدون المطر وقال الشاعر : % ( إذا نزل السماء بأرض قوم % .
رغيناه وإن كانوا غضبانا .
) % .
{ * ومدراراً } على هذا حال من نفس { فِى السَّمَاء } . وقيل : { السَّمَاء } هنا السحاب ويوصف بالمدرار ، فمدراراً حال منه { * ومدرارا } يوصف به المذكر والمؤنث وهو للمبالغة في اتصال المطر ودوامة وقت الحاجة ، لا إنها ترفع ليلاً ونهاراً فتفسد قاله ابن الأنباري . ولأن هذه الأوصاف إنما ذكرت لتعديد النعم عليهم ومقابلتها بالعصيان ، { مَّدْرَاراً وَجَعَلْنَا الاْنْهَارَ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمْ } تقدّم ذكر كيفية جريان الأنهار من التحت في أوائل البقرة . وقد أعرب من فسر { الانْهَارَ } هنا بالخيل كما قيل في قوله : { وَهَاذِهِ الاْنْهَارُ تَجْرِى مِن تَحْتِى } وإذا كان الفرس سريع العدو واسع الخطو وصف بالبحر وبالنهر ، والمعنى أنه تعالى مكنهم التمكين البالغ ووسع عليهم الرزق فذكر سببه وهو تتابع الأمطار على قدر حاجاتهم وإمساك الأرض ذلك الماء ، حتى صارت الأنهار تجري من تحتهم فكثر الخصب فأذنبوا فأهلكوا بذنوبهم ، والظاهر أن الذنوب هنا هي كفرهم وتكذيبهم برسل الله وآياته ، والإهلاك هنا لا يراد به مجرد الإفناء والإماتة بل المراد الإهلاك الناشىء عن الذنوب والأخذ به كقوله تعالى : { فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الاْرْضَ وَمِنْهُمْ مَّنْ } ، لأن الإهلاك بمعنى الإماتة مشترك فيه الصالح والطالح ، وفائدة ذكر إنشاء قرن { ءاخَرِينَ } بعدهم ، إظهار القدرة التامّة على إفناء ناس وإنشاء ناس فهو تعالى لا يتعاظمه أن يهلك { قَرْناً } ويخرب بلاده وينشىء مكانه آخر يعمر بلاده وفيه تعريض للمخاطبين ، بإهلاكهم إذا عصوا كما أهلك من قبلهم ووصف قرناً { بِاخَرِينَ } وهو جمع حملاً على معنى قرن ، وكان الحمل على المعنى