@ 79 @ بعدها معمول لما قبلها فاعل بقوله { تَأْتِيَهُمُ } فإذا كانت النكرة بعدها مما لا يستعمل إلا في النفي العام ، كانت { مِنْ } لتأكيد الاستغراق نحو ما في الدار من أحد ، وإذا كانت مما يجوز أن يراد بها الاستغراق ، ويجوز أن يراد بها نفي الوحدة أو نفي الكمال كانت { مِنْ } دالة على الاستغراق نحو ما قام من رجل ، و { مِنْ } الثانية للتبعيض . قال الزمخشري : يعني وما يظهر لهم قط دليل من الأدلة التي يجب فيها النظر والاستدلال والاعتبار إلا كانوا عنه { مُعْرِضِينَ } تاركين للنظر ، لا يلتفتون إليه ولا يرفعون به رأساً لقلة خوفهم وتدبرهم للعواقب ؛ انتهى . واستعمال الزمخشري قط مع المضارع في قوله : وما يظهر لهم قط دليل ليس بجيد ، لأن قط ظرف مختص بالماضي إلا إن كان أراد بقوله : وما يظهر وما ظهر ولا حاجة إلى استعمال ذلك . وقيل : { الاْيَةَ } هنا العلامة على وحدانية الله وانفراده بالألوهية . وقيل : الرسالة . وقيل : المعجز الخارق . وقيل : القرآن ومعنى { عَنْهَا } أي : عن قبولها أو سماعها ، والإعراض ضد الإقبال وهو مجاز إذ حقيقته في الأجسام ، والجملة من قوله : { كَانُواْ } ومتعلقها في موضع الحال فيكون { تَأْتِيَهُمُ } ماضي المعنى لقوله : { كَانُواْ } أو يكون { كَانُواْ } مضارع المعنى لقوله : { تَأْتِيَهُمُ } وذو الحال هو الضمير في { تَأْتِيَهُمُ } ، ولا يأتي ماضياً إلا بأحد شرطين أحدهما : أن يسبقه فعل كما في هذا الآية ، والثاني أن تدخل على ذلك الماضي قد نحو ما زيد إلا قد ضرب عمراً ، وهذا التفات وخروج من الخطاب إلى الغيبة والضمير عائد على { الَّذِينَ كَفَرُواْ } . وتضمنت هذه الآية مذمة هؤلاء { الَّذِينَ كَفَرُواْ } بأنهم يعرضون عن كل آية ترد عليهم ، ولما تقدّم الكلام أولاً في التوحيد وثانياً في المعاد وثالثاً في تقرير هذين المطلوبين ، ذكر بعد ذلك ما يتعلق بتقرير النبوة وبين فيه أنهم أعرضوا عن تأمل الدلائل ، ويدل ذلك على أن التقليد باطل وأن التأمل في الدلائل واجب ولذلك ذموا بإعراضهم عن الدلائل . .
{ فَقَدْ كَذَّبُواْ بِالْحَقّ لَمَّا جَاءهُمْ } { الْحَقّ } القرآن أو الإسلام أو محمد صلى الله عليه وسلم ) أو انشقاق القمر أو الوعد أو الوعيد ، أقوال والذي يظهر أنه الآية التي تأتيهم وكأنه قيل : { فَقَدْ كَذَّبُواْ } بالآية التي تأتيهم وهي { الْحَقّ } فأقام الظاهر مقام المضمر ، لما في ذلك من وصفه بالحق وحقيقته كونه من آيات الله تعالى ، وظاهر قوله { فَقَدْ كَذَّبُواْ } أن الفاء للتعقيب وأن إعراضهم عن الآية أعقبة التكذيب . وقال الزمخشري : { فَقَدْ كَذَّبُواْ } مردود على كلام محذوف كأنه قيل : إن كانوا معرضين عن الآيات . { فَقَدْ كَذَّبُواْ } بما هو أعظم آية وأكبرها وهو الحق ، لما جاءهم يعني القرآن الذي تحدوا به على تبالغهم في الفصاحة فعجزوا عنه ؛ انتهى . ولا ضرورة تدعو إلى شرط محذوف إذ الكلام منتظم بدون هذا التقدير . .
{ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاء مَا كَانُواْ بِهِ } هذا يدل على أنهم وقع منهم الاستهزاء ، فيكون في الكلام معطوف محذوف دل عليه آخر الآية وتقديره واستهزؤوا به ، { جَاءهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ } وهذه رتب ثلاث صدرت من هؤلاء الكفار ، الإعراض عن تأمل الدلائل ثم أعقب الإعراض التكذيب ، وهو أزيد من الإعراض إذ المعرض قد يكون غافلاً عن الشيء ثم أعقب التكذيب الاستهزاء ، وهو أزيد من التكذيب إذ المكذب قد لا يبلغ إلى حدّ الاستهزاء وهذه هي المبالغة في الإنكار ، والنبأ الخبر الذي يعظم وقعه وفي الكلام حذف مضاف أي : { فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ } مضمن { أَنْبَاء } فقال قوم : المراد ما عذبوا به في الدنيا من القتل والسبي والنهب والإجلاء وغير ذلك ، وخصص بعضهم ذلك بيوم بدر . وقيل : هو عذاب الآخرة ، وتضمنت هذه الجملة التهديد والزجر والوعيد كما تقول : اصنع ما تشاء فسيأتيك الخبر ، وعلق التهديد بالاستهزاء دون الإعراض والتكذيب لتضمنه إياهما ، إذ هو الغاية القصوى في إنكار الحق . وقال الزمخشري : وهو القرآن أي أخباره وأحواله بمعنى