@ 463 @ انتهى . وقد تقدم في أوائل البقرة أنه قيل : سموا نصارى لأنهم من قرية بالشام تسمى ناصرة ، وقوله : وهم الذين قالوا لعيسى نحن أنصار الله القائل لذلك هم الحواريون ، وهم عند الزمخشري كفار ، وقد أوضح ذلك على زعمه في آخر هذه السورة ، وعند غيرهم مؤمنون ، ولم يختلفوا هم ، إنما اختلف من جاء بعدهم ممن يدعي تبعيتهم . .
{ فَنَسُواْ حَظّاً مّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ } قال أبو عبد الله الرازي : في مكتوب الإنجيل أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ) . والحظ هو الإيمان به ، وتنكيراً لحظ يدل على أن المراد به حظ واحد وهو الإيمان بالرسول ، وخص هذا الواحد بالذكر مع أنهم تركوا أكثر ما أمرهم الله به ، لأنّ هذا هو المعظم والمهم . .
{ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } الضمير في بيتهم يعود على النصارى قاله الربيع . وقال الزجاج : النصارى منهم والنسطورية واليعقوبية والملكاتية ، كل فرقة منهم تعادي الأخرى . وقيل : الضمير عائد على اليهود والنصارى ، أي : بين اليهود والنصارى قاله مجاهد ، وقتادة ، والسدّي : فإنهم أعداء يلعن بعضهم بعضاً ويكفر بعضهم بعضاً . .
{ وَسَوْفَ يُنَبّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } هذا تهديد ووعيد شديد بعذاب الآخرة ، إذ موجب ما صنعوا إنما هو الخلود في النار . .
{ يَصْنَعُونَ يَأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيّنُ لَكُمْ كَثِيراً مّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } قال محمد بن كعب القرظي : أول ما نزل من هذه لسورة هاتان الآيتان في شأن اليهود والنصارى ، ثم نزل سائر السورة بعرفة في حجة الوداع . وأهل الكتاب يعم اليهود والنصارى . فقيل : الخطاب لليهود خاصة ، ويؤيده ما روى خالد الحذاء عن عكرمة قال : أتى اليهود الرسول صلى الله عليه وسلم ) يسألونه عن الرجم ، فاجتمعوا في بيت فقال : ( أيكم أعلم ) ؟ فأشاروا إلى ابن صوريا فقال : ( أنت أعلمهم ) قال : سل عما شئت قال : ( أنت أعلمهم ) ؟ قال إنهم يقولون ذلك ، قال : ( فناشدتك الله الذي أنزل التوراة على موسى ، والذي رفع الطور فناشده بالمواثيق التي أخذت عليهم حتى أخذه إفكل ، فقال : إنّ نساءنا نساء حسان فكثر فينا القتل ، فاختصرنا فجلدنا مائة مائة ، وحلقنا الرؤوس ، وخالفنا بين الرؤوس على الدابرات أحسبه قال : الإبل . قال : فأنزل الله يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا . وقيل : الخطاب لليهود والنصارى الذين يخفون صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ) والرجم ونحوه . وأكثر نوازل الإخفاء إنما نزلت لليهود ، لأنهم كانوا مجاوري الرسول في مهاجرة . والمعنى بقوله : رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ) ، وأضيف إلى الله تعالى إضافة تشريف . وفي هذه الآية دلالة على صحة نبوّته ، لأنّ إعلامه بما يخفون من كتابهم وهو أمّي لا يقرأ ولا يكتب ولا يصحب القرّاء ، دلالة على أنه إنما يعلمه الله تعالى . وقوله : من الكتاب ، يعني التوراة ، ويعفو عن كثير أي : مما يخفون لا يبينه إذا لم تدع إليه مصلحة دينية ، ولا يفضحكم بذلك إبقاء عليكم . وقال الحسن : ويعفو عن كثير ، هو ما جاء به الرسول من تخفيف ما كان شدّد عليهم ، وتحليل ما كان حرم عليهم . وقيل : لا يؤاخذكم بها ، وهذا المتروك الذي لا يبين هو في معنى افتخارهم ونحوه مما لا يتعين في ملة الإسلام فضحهم به وتكذيبهم ، والظاهر أن فاعل يبين ويعفو عائد على رسولنا ، ويجوز أن يعود على الله تعالى . .
{ قَدْ جَاءكُمْ مّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ } قيل : هو القرآن سماه نوراً لكشف ظلمات الشرك والشك ، أو لأنه ظاهر الإعجاز . وقيل : النور الرسول . وقيل : الإسلام . وقيل : النور موسى ، والكتاب المبين التوراة . ولو اتبعوها حق الاتباع لآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ) إذ هي آمرة بذلك مبشرة به . .
{ يَهْدِى بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ * سَبِيلٍ * السَّلَامُ } أي رضا الله سبل السلام طرق النجاة ، والسلامة من عذاب الله . والضمير في به ظاهره أنه يعود على كتاب الله ، ويحتمل أن يكون عائداً على الرسول . قيل : ويحتمل أن يعود على الإسلام . وقيل : سبل السلام ، قيل دين الإسلام . وقال الحسن