@ 462 @ من الميثاق المأخوذ عليهم . وقيل : لما غيروا ما غيّروا من التوراة استمروا على تلاوة ما غيروه ، فنسوا حظاً مما في التوراة قاله مجاهد . وقيل : أنساهم نصيباً من الكتاب بسبب معاصيهم ، وعن ابن مسعود : قد ينسى المرء بعض العلم بالمعصية ، وتلا هذه الآية . وقال الشاعر : % ( شكوت إلى وكيع سوء حفظي % .
فأومأ لي إلى ترك المعاصي .
) % .
وقيل : تركوا نصيبهم مما أمروا به من الإيمان بالرسول وبيان نعته . .
{ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مّنْهُمُ } أي هذه عادتهم وديدنهم معك ، وهم على مكان أسلافهم من خيانة الرسل وقتلهم الأنبياء . فهم لا يزالون يخوفونك وينكثون عهودك ، ويظاهرون عليك أعداءك ، ويهمون بالقتل بك ، وأن يسموك . ويحتمل أن يكون الخائنة مصدراً كالعافية ، ويدل على ذلك قراءة الأعمش على خيانة ، أو اسم فاعل ، والهاء للمبالغة كراوية أي خائن ، أو صفة لمؤنث أي قرية خائنة ، أو فعلة خائنة ، أو نفس خائنة . والظاهر في الاستثناء أنه من الأشخاص في هذه الجملة ، والمستثنون عبد الله بن سلام وأصحابه قاله : ابن عباس . وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون في الأفعال أي : إلا فعلاً قليلاً منهم ، فلا تطلع فيه على خيانة . وقيل : الاستثناء من قوله : { وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً } والمراد به المؤمنون ، فإنّ القسوة زالت عن قلوبهم ، وهذا فيه بعد . .
{ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } ظاهره الأمر بالمعروف والصفح عنهم جميعهم ، وذلك بعث على حسن التخلق معهم ومكارم الأخلاق . وقال ابن جرير : يجوز أن يعفو عنهم في مغدرة فعلوها ما لم ينصبوا حرباً ، ولم يمتنعوا من أداء جزية . وقيل : الضمير عائد على من آمن منهم ، فلا تؤاخذهم بما سلف منهم ، فيكون عائداً على المستثنين . وقيل : هذا الأمر منسوخ بآية السيف . وقيل : بقوله : { قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } . وقيل : بقوله : { وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً } وفسر قوله : يحب المحسنين ، بالعافين عن الناس ، وبالذين أحسنوا عملهم بالإيمان ، وبالمستثنين وهم الذين ما نقضوا العهد والذين آمنوا وبالنبي عليه السلام لأنه المأمور في الآية بالصفح والعفو . .
{ وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ } . الظاهر أنّ من تتعلق بقوله : أخذنا وأنَّ الضمير في ميثاقهم عائد على الموصول ، وأنّ الجملة معطوفة على قوله : { وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِى إِسْراءيلَ } والمعنى : أنه تعالى أخذ من النصارى ميثاق أنفسهم وهو الإيمان بالله والرسل وبأفعال الخير . وقيل : الضمير في ميثاقهم عائد على بني إسرائيل ، ويكون مصدراً شبيهاً أي : وأخذنا من النصارى ميثاقاً مثل ميثاق بني إسرائيل . وقيل : ومن الذين معطوف على قوله : منهم ، من قوله : { وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ } منهم أي من اليهود ، ومن الذين قالوا إنا نصارى . ويكون قوله : أخذنا ميثاقهم مستأنفاً ، وهذا فيه بعد للفصل ، ولتهيئة العامل للعمل في شيء وقطعه عنه دون ضرورة . وقال قتادة : أخذ على النصارى الميثاق كما أخذ على أهل التوراة أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ) ، فتركوا ما أمروا به . وقال غيره : أخذ الميثاق عليهم بالعمل بالتوراة ، وبكتب الله المنزلة وأنبيائه ورسله . وفي قوله : قالوا إنا نصارى ، توبيخ لهم وزجر عما ادعوه من أنهم ناصر ودين الله وأنبيائه ، إذ جعل ذلك منهم مجرد دعوى لا حقيقة . وحيث جاء النصارى من غير نسبة إلى أنهم قالوا عن أنفسهم ذلك ، فإنما هو من باب العلم لم يلحظ فيه المعنى الأول الذي قصدوه من النصر ، كما صار اليهود علماً لم يحلظ فيه معنى قوله اهدنا إليك . وقال الزمخشري : ( فإن قلت ) : فهلا قيل : ومن النصارى ؟ ( قلت ) : لأنهم إنما سموا بذلك أنفسهم ادعاء لنصرة الله ، وهم الذين قالوا لعيسى : نحن أنصار الله ثم اختلفوا بعد إلى نسطورية ويعقوبية وملكانية