@ 215 @ لئلا يتوهم أن الجميع المخاطبين أتوا الأزواج قنطاراً . والمراد : آتى كل واحد زوجته قنطاراً . فدل لفظ إحداهن على أن الضمير في : آتيتم ، المراد منه كل واحد واحد ، كما دل لفظ : وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج على أن المراد استبدال أزواج مكان أزواج ، فأريد بالمفرد هنا الجمع لدلالة : وإن أردتم . وأريد بقوله : وآتيتم كل واحد واحد لدلالة إحداهن ، وهي مفردة على ذلك . وهذا من لطيف البلاغة ، ولا يدل على هذا المعنى بأوجز من هذا ولا أفصح . وتقدّم الكلام في قنطار في أول آل عمران والضمير في منه عائد على قنطار . وقرأ ابن محيصن : بوصل ألف إحداهن ، كما قرىء : أنها لإحدى الكبقر بوصل الألف ، حذفت على جهة التحقيق كما قال : .
وتسمع من تحت العجاج لها ازملا .
وقال : .
إن لم أقاتل فألبسوني برقعا .
وظاهر قوله : فلا تأخذوا منه شيئاً تحريم أخذ شيء مما آتاها إذا كان استبدال مكانها بإرادته . قالوا : وهذا مقيد بقوله : { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَىْء مّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ } قالوا : وانعقد عليه الإجماع . ويجري هذا المجرى المختلعة لأنها طابت نفسها أن تدفع للزوج ما افتدت به . وقال بكر بن عبد الله المزني : لا تأخذ من المختلعة شيئاً لقوله : فلا تأخذوا منه شيئاً وآية البقرة منسوخة بهذا ، وتقدّم الكلام في ذلك في سورة البقرة . وظاهر قوله : وآتيتم إحداهن قنطاراً ، والنهي بعده يدل على عموم ما آتاها ، سواء كان مهراً أو غيره . .
أفضى بعضكم إلى بعض لأن هذا لا يقتضي أن يكون الذي آتاها مهراً فقط ، بل المعنى : أنه قد صار بينهما من الاختلاط والامتزاج ما لا يناسب أن يأخذ شيئاً مما آتاها ، سواء كان مهراً أو غيره . وقال أبو بكر الرازي : لا يمتنع أن يكون أول الخطاب عموماً في جميع ما تضمنه الاسم ، ويكون المعطوف عليه بحكم خاص فيه ، ولا يوجب ذلك خصوص اللفظ الأوّل انتهى كلامه . وهو منه تسليم أن المراد بقوله : وكيف تأخذونه ، أي المهر . وبينا أنه لا يلزم ذلك . قال أبو بكر الرازي : وفي الآية دليل على أن من أسلف امرأته نفقتها لمدة ثم ماتت قبل انقضاء المدة ، لا يرجع في ميراثها بشيء مما أعطاها لعموم اللفظ لأنه جائز ، أن يريد أن يتزوج أخرى بعد موتها مستبدلاً بها مكان الأولى . وظاهر الأمر قد تناول هذه الحالة انتهى . وليس بظاهرٍ لأنّ الاستبدال يقتضي وجود البدل والمبدل منه ، أما إذا كان قد عدم فلا يصح ذلك ، لأن المستبدل يترك هذا ويأخذ آخر بدلاً منه ، فإذا كان معدوماً فكيف يتركه ويأخذ بدله آخر ؟ وظاهر الآية يدل على تحريم أخذ شيء مما أعطاها إن أراد الاستبدال ، وآخر الآية يدل بتعليله بالإفضاء على العموم ، في حالة الاستبدال وغيرها . ومفهوم الشرط غير مراد ، وإنما خص بالذكر لأنها حالة قد يتوهم فيها أنه لمكان الاستبدال وقيام غيرها مقامها ، له أن يأخذ مهرها ويعطيه الثانية ، وهي أولى به من المفارقة . فبيّن الله أنه لا يأخذ منها شيئاً . وإذا كانت هذه التي استبدل مكانها لم يبح له أحد شيء مما آتاها ، مع سقوط حقه عن بضعها ، فأحرى أن لا يباح له ذلك مع بقاء حقه واستباحة بضعها ، وكونه أبلغ في الانتفاع بها منها بنفسه . وقرأ أبو السمال وأبو جعفر : شيا بفتح الياء وتنوينها ، حذف الهمزة وألقى حركتها على الياء . .
{ أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً } أصل البهتان : الكذب الذي يواجه به الإنسان صاحبه على جهة المكابرة فيبهت المكذوب عليه . أي : يتحير ثم سمى كل باطل يتحير من بطلانه بهتاناً . وهذا الاستفهام على سبيل الإنكار ، أي : أتفعلون هذا مع ظهور قبحه ؟ وسمي بهتاناً لأنهم كانوا إذا أرادوا تطليق امرأة رموها بفاحشة حتى