@ 216 @ تخاف وتفتدي منه مهرها ، فجاءت الآية على الأمر الغالب . وقيل : سمي بهتاناً لأنه كان فرض لها المهر ، واسترداده يدل على أنه يقول : لم أفرضه ، وهذا بهتان . وانتصب بهتاناً وإثماً على أنهما مصدران في موضع الحال من الفاعل ، التقدير : باهتين وآثمين . أو من المفعول التقدير : مبهتاً محيراً لشنعته وقبح الأحدونة ، أو مفعولين من أجلهما أي : أتأخذونه لبهتانكم وإثمكم ؟ قال ذلك الزمخشري قال : وإن لم يكن غرضاً كقولك : قعد عن القتال جبناً . .
{ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ } وهذا استفهام إنكار أيضاً ، أنكر أولاً الأخذ ، ونبه على امتناع الأخذ بكونه بهتاناً وإثماً . وأنكر ثانياً حاله الأخذ ، وأنها ليست مما يمكن أن يجامع حال الإفضاء ، لأن الإفضاء وهو المباشرة والدنوّ الذي ما بعده دنو ، يقتضي أن لا يؤخذ معه شيء مما أعطاه الزوج ، ثم عطف على الإفضاء أخذ النساء الميثاق الغليظ من الأزواج . والإفضاء : الجماع قاله ، ابن مسعود ، وابن عباس ، ومجاهد ، والسدي . وقال عمر ، وعلي ، وناس من الصحابة ، والكلبي ، والفراء : هي الخلوة والميثاق ، هو قوله تعالى : { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } قاله : ابن عباس ، والحسن ، والضحاك ، وابن سيرين ، والسدي ، وقتادة . قال قتادة : وكان يقال للنكاح في صدر الإسلام : عليكم لتمسكنَّ بمعروف ، أو لتسرحنَّ بإحسان . وقال مجاهد وابن زيد : الميثاق كلمة الله التي استحللتم بها فروجهن ، وهي قول الرجل : نكحت وملكت النكاح ونحوه . وقال عكرمة : هو قوله صلى الله عليه وسلم ) : ( استوصوا بالنساء خيراً فإنهن عوان عندكم ، أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ) وقال قوم : الميثاق الولد ، إذ به تتأكد أسباب الحرمة وتقوى دواعي الألفة . وقيل : ما شرط في العقد من أنّ على كل واحد منهما تقوى الله ، وحسن الصحبة والمعاشرة بالمعروف ، وما جرى مجرى ذلك . وقال الزمخشري : الميثاق الغليظ حق الصحبة والمضاجعة ، كأنه قيل : وأخذن به منكم ميثاقاً غليظاً ، أي بإفضاء بعضكم إلى بعض . ووصفه بالغلظ لقوته وعظمه ، فقد قالوا : صحبه عشرين يوماً قرابة ، فكيف بما يجري بين الزوجين من الاتحاد والامتزاج ؟ انتهى كلامه . .
{ وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءابَاؤُكُمْ مّنَ النّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } تقدم ذكر شيء من سبب نزول هذه الآية في قوله : { لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النّسَاء كَرْهاً } وقد ذكروا قصصاً مضمونها : أنّ من العرب مَن كان يتزوج امرأة أبيه ، وسموا جماعة تزوجوا زوجات آبائهم بعد موت آبائهم ، فأنزل الله تحريم ذلك . وتقدّم الخلاف في النكاح : أهو حقيقة في الوطء ، أم في العقد ، أم مشترك ؟ قالوا : ولم يأت النكاح بمعنى العقد إلا في { فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ } وهذا الحصر منقوض بقوله : { إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ } . واختلف في ما من قوله : ما نكح . فالمتبادر إلى الذهن أنها مفعوله ، وأنها واقعة على النوع كهي في قوله تعالى : { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مّنَ النّسَاء } أي : ولا تنكحوا النوع الذي نكح آباؤكم . وقد تقرر في علم العربية أنّ ما تقع على أنواع من يعقل ، وهذا على مذهب من يمنع وقوعها على آحاد من يعقل . أمّا مَن يجيز ذلك فإنه يتضح حمل ما في اة ية عليه ، وقد زعم أنه مذهب سيبويه . وعلى هذا المفهوم من إطلاق ما على منكوحات الآباء تلقت الصحابة الآية واستدلوا بها على تحريم نكاح الأبناء حلائل الآباء . قال ابن عباس : كان أهل الجاهلية يحرمون ما يحرم إلا امرأة الأب ، والجمع بين الأختين فنزلت هذه الآية في ذلك . وقال ابن عباس : كل امرأة تزوجها أبوك دخل بها أو لم يدخل ، فهي عليك حرام . .
وقال قوم : ما مصدرية . والتقدير : ولا تنكحوا نكاح آبائكم أي : مثل نكاح آبائكم الفاسد ، أو الحرام الذي كانوا يتعاطونه في الجاهلية كالشغار وغيره ، كما تقول : ضربت ضرب الأمير أي : مثل ضرب الأمير . ويبين كونه حراماً أو فاسداً قوله : { إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً } واختار هذا القول محمد بن جرير قال : ولو كان معناه ولا