@ 214 @ عائد على الكره وهو المصدر المفهوم من الفعل . ( وقيل ) : عائد على الصبر . وفسر ابن عباس والسدي : الخير بالولد الصالح ، وهو على سبيل التمثيل لا الحصر . وانظر إلى فصاحة فعسى أن تكرهوا شيئاً ، حيث علّق الكراهة بلفظ شيء الشامل شمول البدل ، ولم يعلق الكراهة بضميرهن ، فكان يكون فعسى أن تكرهوهن . وسياق الآية يدل على أن المعنى الحث على إمساكهن وعلى صحبتهن ، وإن كره الإنسان منهن شيئاً من أخلاقهن . ولذلك جاء بعده : وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج . ( وقيل ) : معنى الآية : ويجعل الله في فراقكم لهنّ خيراً كثيراً لكم ولهن ، كقوله : { وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مّن سَعَتِهِ } قاله الأصم : وهذا القول بعيد من سياق الآية ، ومما يدل عليه ما قبلها وما بعدها . وقلّ أن ترى متعاشرين يرضى كل واحد منهما جميع خلق الآخر ، ويقال : ما تعاشر إثنان إلا وأحدهما يتغاضى عن الآخر . وفي صحيح مسلم : ( لا يفزك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر ) . وأنشدوا في هذا المعنى : % ( ومن لا يغمض عينه عن صديقه % .
وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتب ومن يتتبع جاهداً كل عثرة يجدها ولا يسلم له الدهر صاحب .
) % .
{ وَإِنْ أَرَدْتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَءاتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً } لمّا أذن في مضارتهن إذا أتين بفاحشة ليذهب ببعض ما أعطاها ، بنى تحريم ذلك في غير حال الفاحشة ، وأقام الإرادة مقام الفعل . فكأنه قال : وإن استبدلتم . أو حذف معطوف أي : واستبدلتم . وظاهر قوله : وآتيتم أن الواو للحال ، أي : وقد آتيتم . وقيل : هو معطوف على فعل الشرط وليس بظاهر . والاستبدال وضع الشيء مكان الشيء والمعنى : أنه إذا كان الفراق من اختياركم فلا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً . واستدل بقوله : وآتيتم إحداهن قنطاراً على جواز المغالاة في الصدقات ، وقد استدلت بذلك المرأة التي خاطبت عمر حين خطب وقال : { إِلاَّ لاِجَلٍ * مّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ } . وقال قوم : لا تدل على المغالاة ، لأنه تمثيل على جهة المبالغة في الكثرة كأنه : قيل وآتيتم هذا القدر العظيم الذي لا يؤتيه أحد ، وهذا شبيه بقوله صلى الله عليه وسلم ) : ( من بنى مسجداً لله ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة ) ومعلوم أن مسجداً لا يكون كمفحص قطاة ، وإنما هو تمثيل للمبالغة في الصغر . وقد قال صلى الله عليه وسلم ) لمن أمهر مائتين وجاء يستعين في مهره وغضب صلى الله عليه وسلم ) : ( كأنكم تقطعون الذهب والفضة من عرض الحرة ) وقال محمد بن عمر الرازي : لا دلالة فيها على المغالاة لأن قوله : وآتيتم لا يدل على جواز إيتاء القنطار ، ولا يلزم من جعل الشيء شرطاً لشيء آخر كون ذلك الشرط في نفسه جائز الوقوع كقوله : { مَن قَتَلَ * لَهُ } انتهى . ولما كان قوله : وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج ، خطاباً لجماعة كان متعلق الاستبدال أزواجاً مكان أزواج ، واكتفى بالمفرد عن الجمع لدلالة جمع المستبدلين ، إذ لا يوهم اشتراط المخاطبين في زوج واحدة مكان زوج واحدة ، ولا إرادة معنى الجماع عاد الضمير في قوله : إحداهن جمعاً والتي نهى أن نأخذ منها هي المستبدل مكانها ، إلا المستبدلة . إذ تلك هي التي أعطاها المال ، لا التي أراد استحداثها بدليل قوله : { أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ } وقال : وآتيتم إحداهن قنطاراً ليدل على أن قوله : وآتيتم المراد منه ، وأتى كل واحد منكم إحداهن ، أي إحدى الأزواج قنطاراً ، ولم يقل : وآتيتموهن قنطاراً