@ 175 @ تذكير الضمير ، لأن معنى : فإن طبن ، فإن طابت كل واحدة ، ولذلك أفرد متكأ . وقيل : يعود على صدقاتهن مسلوكاً به مسلك اسم الإشارة ، كأنه قيل عن شيء من ذلك . واسم الإشارة وإن كان مفرداً قد يشار به إلى مجموع كقوله : { قُلْ أَؤُنَبّئُكُمْ بِخَيْرٍ مّن ذالِكُمْ } . وقد تقدّمت عليه أشياء كثيرة . وقيل : لرؤبة كيف قلت : كأنه في الجلد توليع البهق ، وقد تقدم ، فيها خطوط من سواد وبلق . فقال : أردت كان ذاك . وقيل : يعود على المال ، وهو غير مذكور ، ولكن يدل عليه صدقاتهن . وقيل : يعود على الإيتاء وهو المصدر الدال عليه : وآتوا ، قاله الراغب ، وذكره ابن عطية . ويتعلق المجروران بقوله : طبن ، ومنه في موضع الصفة لشيء ، فيتعلق بمحذوف ، وظاهر من التبعيض . وفيه إشارة إلى أن ما تهبه يكون بعضاً من الصداق ، ولذلك ذهب الليث بن سعد إلى أنه لا يجوز تبرعها له إلا باليسير . وقال ابن عطية : ومن تتضمن الجنس هاهنا . وكذلك يجوز أن تهب المهر كله ، ولو وقعت على التبعيض لما جاز ذلك . .
وانتصب نفساً على التمييز ، وهو من التمييز المنقول من الفاعل . وإذا جاء التمييز بعد جمع وكان منتصباً عن تمام الجملة ، فإما أن يكون موافقاً لما قبله في المعنى ، أو مخالفاً فإن كان موافقاً طابقه في الجمعية نحو : كرم الزيدون رجالاً ، كما يطابق لو كان خبراً ، وإن كان مخالفاً ، فإما أن يكون مفرداً لمدلول أو مختلفة ، إن كان مفرداً لمدلول لزم إفراد اللفظ الدال كقولك في أبناء رجل واحد : كرم بنو فلان أصلاً وأباً . وكقولك : زكاة الأتقياء ، وجاد الأذكياء وعياً . وذلك إذا لم تقصد بالمصدر اختلاف الأنواع لاختلاف محاله . وإن كان مختلف المدلول ، فإما أن يلبس أفراده لو أفرد ، أو لا يلبس . فإن ألبس وجبت المطابقة نحو : كرم الزيدون آباء ، أي : كرم آباء الزيدين . ولو قلت : كرم الزيدون أباً ، لأوهم أن أباهم واحد موصوف بالكرم . وإن لم يلبس جاز الإفراد والجمع . والإفراد أولى ، كقوله : فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً إذ معلوم أن لكل نفساً ، وإنهن لسن مشتركات في نفس واحدة . وقرّ الزيدون عيناً ، ويجوز أنفساً وأعيناً . وحسن الإفراد أيضاً في الآية ما ذكرناه قبل من محسن تذكير الضمير وإفراده ، وهو أن المعنى : فإن طابت كل واحدة عن شيء منه نفساً . .
وقال بعض البصريين : أراد بالنفس الهوى . والهوى مصدر ، والمصادر لا تثني ولا تجمع . وجواب الشرط : فكلوه ، وهو أمر إباحة . والمعنى : فانتفعوا به . وعبر بالأكل لأنه معظم الانتفاع . .
وهنيئاً مريئاً أي : شافياً سائغاً . وقال أبو حمزة : هنيئاً لا إثم فيه ، مريئاً لأداء فيه . وقيل : هنيئاً لذيذاً ، مريئاً محمود العاقبة . وقيل : هنيئاً مريئاً أي ما لا تنغيص فيه . وقيل : ما ساغ في مجراه ولا غص به من تحساه . وقيل : هنيئاً مريئاً أي : حلالاً طيباً . وقرأ الحسن والزهري : هنياً مرياً دون همزة ، أبدلوا الهمزة التي هي لام الكلمة ياء ، وأدغموا فيها ياء المدّ . وانتصاب هنيئاً على أنه نعت لمصدر محذوف ، أي : فكلوه أكلاً هنيئاً ، أو على أنه حال من ضمير المفعول ، هكذا أعربه الزمخشري وغيره . وهو قول مخالف لقول أئمة العربية ، لأنه عند سيبويه وغيره : منصوب بإضمارفعل لا يجوز إظهاره . وقد ذكرنا في المفردات نص سيبويه على ذلك . فعلى ما قاله أئمة العربية يكون هنيئاً مريئاً من جملة أخرى غير قوله : فكلوه هنيئاً مريئاً ، ولا تعلق له به من حيث الإعراب ، بل من