@ 116 @ حيث أنهم أحق به أن يعرفوا . كما جعل الله لهم أعلاماً يعرفون بها ، أو من حيث لا يعبدون الله ولا يعرفونه ، بل هم عباد الأصنام لاتخاذهم لها أرباباً ، أو لتقرّبهم بها إلى الله ، فإذا أصابتهم شدّة فرعوا إلى الله ، والمؤمنون يرجعون إلى الله في الشدّة والرخاء . .
{ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِم مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ } أي يظهرون من الإسلام ما يحقنون به دماءهم ، ويحفظون أهليهم من السبي ، وأموالهم من النهب . وليس ما يظهرون ما تنطوي عليه ضمائرهم ، بل هو لا يتجاوز أفواههم ومخارج الحروف منها ، ولم تع قلوبهم منه شيئاً . وذكر الأفواه مع القلوب تصوير لنفاقهم ، وأنَّ إيمانهم موجود في أفواههم معدوم في قلوبهم ، بخلاف إيمان المؤمنين في مواطأة عقد قلوبهم للفظ ألسنتهم . قال ابن عطية : بأفواههم توكيد مثل : يطير بجناحيه انتهى . ولا يظهر أنه توكيد ، إذِ القولُ ينطلق على اللساني والنفساني ، فهو مخصص لأحد الانطلاقين إلا إنْ قلنا : إنّ إطلاقه على النفساني مجاز ، فيكون إذ ذاك توكيداً لحقيقة القول . .
{ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ } أي من الكفر وعداوة الدين . وقال : أعلم ، لأن علمه تعالى بهم علم إحاطة بتفاصيل ما يكتمونه وكيفياته ، ونحن نعلم بعض ذلك علماً مجملاً . وتضمنت هذه الجملة التوعد الشديد لهم ، إذ المعنى : ترتب الجزاء على علمه تعالى بما يكتمون . .
{ الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا } هذه الآية نظير قوله : ( وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض ) الآية وفسر الإخوان هنا بما فسر به هناك . وتحتمل لام الجر ما احتملته في تلك ، وجوزوا في إعراب الذين وجوهاً : الرفع على النعت للذين نافقوا ، أو على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أو على أنه بدل من الواو في يكتمون ، والنصب على الذم أي : أذم الذين ، والجرّ على البدل من الضمير في بأفواههم أو في قلوبهم . .
والجملة من قوله : وقعدوا حالية أي : وقد قعدوا . ووقوع الماضي حالاً في مثل هذا التركيب مصحوباً بقد ، أو بالواو ، أو بهما ، أو دونهما ، ثابت من لسان العرب بالسماع . ومتعلق الطاعة هو ترك الخروج . والقعود كما قعدوا هم ، وهذا منهم قول بالأجلين أي : لو وافقونا في التخلف والقعود ما قتلوا ، كما لم نقتل نحن . وقرأ الحسن : ما قتلوا بالتشديد . { قُلْ * فَادْرَءوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } أكذبهم الله تعالى في دعواهم ذلك ، فكأنه قيل : القتل ضرب من الموت ، فإنْ كان لكم سبيل إلى دفعه عن أنفسكم بفعل اختياري فادفعوا عنها الموت ، وإن لم يكن ذلك دلّ على أنكم مبطلون في دعواكم . والدرة : الدفع ، وتقدّمت مادته في قوله : ( فادارأتم فيها ) وقال دغفل النسابة : % ( صادف درء السيل درأ يدفعه % .
والعبء لا تعرفه أو ترفعه .
) % .
والمعنى : إنْ كنتم صادقين في دعواكم أنَّ التحيل والتحرز ينجي من الموت ، فجدّوا أنتم في دفعه ، ولن تجدوا إلى ذلك سبيلاً بل لا بد أن يتعلق بكم بعض أسباب المنون . وهب أنكم على زعمكم دفعتم بالقعود هذا السبب الخاص ، فادفعوا سائر أسباب الموت ، وهذا لا يمكن لكم ألبتة . قال الزمخشري : ( فإن قلت ) : فقد كانوا صادقين في أنهم دفعوا القتل عن أنفسهم بالقعود ، فما معنى قوله : إن كنتم صادقين ؟ ( قلت ) : معناه أنّ النجاة من القتل يجوز أن يكون سببها القعود عن القتال ، وأن يكون غيره . لأن أسباب النجاة كثيرة . وقد يكون قتال الرجل نجاته ، ولو لم يقاتل لقتل ، فما يدريكم أن سبب نجاتكم القعود وإنكم صادقون في مقاتلتكم وما أنكرتم أن يكون السبب غيره ؟ ووجه