@ 117 @ آخر : إن كنتم صادقين في قولكم : لو أطاعونا وقعدوا ما قتلوا ، يعني : أنهم لو أطاعوكم وقعدوا لقتلوا قاعدين ، كما قتلوا مقاتلين . وقوله : فادرؤا عن أنفسكم الموت ، استهزاء بهم ، أي إن كنتم رجالاً دفاعين لأسباب الموت فادرؤا جميع أسبابه حتى لا تموتوا انتهى كلامه . وهو حسن على طوله . .
{ وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ } قيل : هم قتلى أحد ، وقيل : شهداء بئر معونة . وقيل : شهداء بدر . وهل سبب ذلك قول من استشهد وقد دخل الجنة فأكل كل من ثمارها : من يبلغ عنا أخواننا أنا في الجنة نرزق ، لا تزهدوا في الجهاد . فقال الله : أنا أبلغ عنكم ، فنزلت . أو قول من لم يستشهد من أولياء الشهداء : إذا أصابتهم نعمة نحن في النعمة والسرور ، وآباؤنا وأبناؤنا وأخواننا في القبور ، فنزلت . .
وقرأ الجمهور : ولا تحسبن بالتاء ، أي ولا تحسبن أيها السامع . وقال الزمخشري : الخطاب لرسول صلى الله عليه وسلم ) ، أو لكل أحد . وقرأ حميد بن قيس وهشام بخلاف عنه بالياء ، أي : ولا يحسبن هو ، أي : حاسب واحد . قال ابن عطية : وأرى هذه القراءة بضم الياء ، فالمعنى : ولا يحسبن الناس انتهى . .
قال الزمخشري : ويجوز أن يكون الذين قتلوا فاعلاً ، ويكون التقدير : ولا يحسبنهم الذين قتلوا أمواتاً ، أي : لا تحسبن الذين قتلوا أنفسهم أمواتاً . ( فإن قلت ) : كيف جاز حذف المفعول الأوّل ؟ ( قلت ) : هو في الأصل مبتدأ فحذف كما حذف المبتدأ في قوله : أحياء . والمعنى : هم أحياء لدلالة الكلام عليها انتهى كلامه . وما ذهب إليه من أن التقدير : ولا تحسبنهم الذين قتلوا أمواتاً لا يجوز ، لأنَّ فيه تقديم المضمر على مفسره ، وهو محصور في أماكن لا تتعدى وهي باب : رب بلا خلاف ، نحو : ربه رجلاً أكرمته ، وباب نعم وبئس في نحو : نعم رجلاً زيد على مذهب البصريين ، وباب التنازع على مذهب سيبويه في نحو : ضرباني وضربت الزيدين ، وضمير الأمر والشأن وهو المسمى بالمجهول عند الكوفيين نحو : هو زيد منطلق ، وباب البدل على خلاف فيه بين البصريين في نحو : مررت به زيد ، وزاد بعض أصحابنا أن يكون الظاهر المفسر خبراً للضمير ، وجعل منه قوله تعالى : { وَقَالُواْ إِنْ هِىَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا } التقدير عنده : ما الحياة إلا حياتنا الدّنيا . وهذا الذي قدره الزمخشري ليس واحداً من هذه الأماكن المذكورة . وأما سؤاله وجوابه فإنه قد يتمشى على رأي الجمهور في أنه : يجوز حذف أحد مفعولي ظن وأخواتها اختصاراً ، وحذف الاختصار هو لفهم المعنى ، لكنه عندهم قليل جداً . قال أبو عليّ الفارسي : حذفه عزيز جداً ، كما أن حذف خبر كان كذلك ، وإن اختلفت جهتا القبح انتهى . قول أبي علي . وقد ذهب الأستاذ أبو إسحاق إبراهيم بن ملكون الحضرمي الإشبيلي إلى منع ذلك اقتصاراً ، والحجة له وعليه مذكورة في علم النحو . وما كان بهذه المثابة ممنوعاً عند بعضهم عزيزاً حذفه عند الجمهور ، ينبغي أن لا يحمل عليه كلام الله تعالى . فتأويل مَن تأوّل الفاعل مضمراً يفسره المعنى ، أي : لا يحسبن هو أي أحد ، أو حاسب أولى . وتنفق القراءتان في كون الفاعل ضميراً وإن اختلفت بالخطاب والغيبة . .
وتقدم الكلام على معنى موت الشهداء وحياتهم في قوله : { وَلاَ تَقُولُوا