@ 115 @ لمعنى الماضي إذا كانت حرفاً لما كان سيقع لوقوع غيره ، فإذا كانت بمعنى إنْ الشرطية تخلص المضارع لمعنى الاستقبال . ومضمون هذا الجواب أنهم علقوا الاتباع على تقدير وجود علم القتال ، وعلمهم للقتال منتف ، فانتفى الاتباع واخبارهم بانتفاء علم القتال منهم إمّا على سبيل المكابرة والمكادبة ، إذ معلوم أنه إذا خرج عسكران وتلاقيا وقد قصد أحدهما الآخر من شقة بعيدة في عدد كثير وعدد ، وخرج إليهم العسكر الآخر من بلدهم للقائهم قبل أن يصلوا بلدهم واثقين بنصر الله مقاتلين في سبيل الله ، وإن كانوا أقل من أولئك ، أنه سينشب بينهم قتال لا محالة ، فأنكروا علم ذلك رأساً لما كانوا عليه من النفاق والدغل والفرح بالاستيلاء على المؤمنين . وإمّا على سبيل التخطئة لهم في ظنهم أن ذلك قتال في سبيل الله . وليس كذلك ، إنما هو رمي النفوس في التهلكة ، إذ لا مقاومة لهم بحرب الكفار لكثرتهم وقلة المؤمنين ، لأن رأى عبد الله بن أبي كان في الإقامة بالمدينة وجعلها ظهراً للمؤمنين ، وما كان يستصوب الخروج كما مرّ ذكره في قصة أحد . .
{ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإيمَانِ } وجه الأقربية التي هي الزيادة في القرب إنهم كانوا يظهرون الإيمان ، ولم تكن تظهر لهم إمارة تدل على الكفر ، فلما انخذلوا عن المؤمنين وقالوا ما قالوا زادوا قرباً للكفر ، وتباعدوا عن الإيمان . وقيل : هو على حذف مضاف أي : هم لأهل الكفر أقرب نصرة منهم لأهل الإيمان ، لأن تقليلهم سواد المسلمين بالانخذال تقوية للمشركين . .
وأقرب هنا افعل تفضيل ، وهي من القرب المقابل للبعد . ويعدّي بإلى وباللام وبمن ، فيقال : زيد أقرب لكذا ، وإلى كذا ، ومن كذا من عمرو . فمن الأولى ليست التي يتعدى بها افعل التفضيل مطلقاً في نحو : زيد أفضل من عمرو . وحرفا الجر هنا يتعلقان بأقرب ، وهذا من خواص أفعل التفضيل إنه يتعلق به حرفا جر من جنس واحد ، وليس أحدهما معطوفاً على الآخر . ولا بدلاً منه بخلاف سائر العوامل ، فإنه لا يتعلق به حرفا جر من جنس واحد إلا بالعطف ، أو على سبيل البدل . فتقول : زيد بالنحو أبصر منه بالفقه . .
والعامل في يومئذ أقرب . ومنهم متعلق بأقرب أيضاً ، والجملة المعوض منها التنوين هي السابقة ، أي : هم قوم إذ قالوا : لو نعلم قتالاً لاتبعناكم . وذهب بعض المفسرين فيما حكى النقاش : إلى أن أقرب ليس هو هنا المقابل للأبعد ، وإنما هو من القَرَب بفتح القاف والراء وهو المطلب ، والقارب طالب الماء ، وليلة القرب ليلة الوداد ، فاللفظة بمعنى الطلب . ويتعين على هذا القول التعدية باللام ، ولا يجوز أن تعدّى بإلى ولا بمن التي لا تصحب كل أفعل التفضيل ، وصار نظير زيد أقرب لعمرو من بكر . وأكثر العلماء على أن هذه الجملة تضمنت النص على كفرهم . قال الحسن : إذا قال الله : أقرب ، فهو اليقين بأنهم مشركون . كقوله : ( مائة ألف أو يزيدون ) فالزيادة لا شك فيها ، والمكلف لا ينفك عن الكفر أو الإيمان . فلما دلت على الأقربية من الكفر لزم حصول الكفر . .
وقال الواحدي في الوسيط : هذه الآية دليل على أنَّ من أتى بكلمة التوحيد لم يكفر ، لأنه تعالى لم يطلق القول عليهم بتكفيرهم مع أنهم كانوا كافرين مع إظهارهم لقول : لا إلاه إلا الله محمد رسول الله . قال الماتريدي : أقرب أي ألزم على الكفر ، وأقبل له مع وجود الكفر منهم حقيقة ، لا على القرب إليه قبل الوقوع والوجود لقوله : { ءانٍ * رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مّنَ الْمُحْسِنِينَ } أي هي لهم لا على القرب قبل الوجود ، لكنهم لما كانوا أهل نفاق والكفر لم يفارق قلوبهم وما كان من أيمانهم ، كان بظاهر اللسان قد يفارقها في أكثر أوقاتهم ، وصفوا به . ويحتمل أن يحمل على القرب من حيث كانوا شاكين في الأمر ، والشاك في أمر الكفر والإيمان تارك للإيمان ، فهو أقرب إلى الكفر . أو من حيث قالوا للمؤمنين : ( ألم نكن معكم ) وللكافرين : ( ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين ) أو من حيث ما أظهروا من الإيمان كذب ، والكفر نفسه كذب . فما أظهروا من الإيمان فهو كذب إلى الكذب الذي هم أقرب إليه وهو الكفر ، أو من