@ 99 @ فقال : ولقد عفا الله عهم لتوبتهم واعتذارهم انتهى . .
{ أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ } أي غفور الذنوب حليم لا يعاجل بالعقوبة . وجاءت هذه الجملة كالتعليل لعفوه تعالى عن هؤلاء الذين تولوا يوم أحد ، لأنَّ الله تعالى واسع المغفرة ، واسع الحلم . .
{ حَلِيمٌ يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِى الاْرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا مَا } لما تقدم من قول المنافقين : لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا ، وأخبر الله عنهم أنهم قالوا لإخوانهم : وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا ، وكان قولاً باطلاً واعتقاداً فاسداً نهى تعالى المؤمنين أنْ يكونوا مثلهم في هذه المقالة الفاسدة والاعتقاد السيىء . وهو أن من سافر في تجارة ونحوها فمات ، أو قاتل فقتل ، لو قعد في بيته لعاش ولم يمت في ذلك الوقت الذي عرض نفسه للسفر فيه أو للقتال ، وهذا هو معتقد المعتزلة في القول بالأجلين ، والكفار القائلون . قيل : هو عام ، أي اعتقاد الجميع هذا قاله : ابن إسحاق وغيره ، أو عبد الله بن أبي وأصحابه سمع منهم هذا القول قاله : مجاهد والسدي وغيرهما ، أو هو ومعتب وجدّ بن قيس وأصحابهم . .
واللام في : لإخوانهم لام السبب ، أي لأجل إخوانهم . وليست لام التبليغ ، نحو : قلت لك . والإخوة هنا إخوة النسب ، إذ كان قتلى أحد من الأنصار وأكثرهم من الخزرج ، ولم يقتل من المهاجرين إلا أربعة . وقيل : خمسة . ويكون القائلون منافقي الأنصار جمعهم أب قريب ، أو بعيد ، أو إخوة المعتقد والتآلف ، كقوله : { فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً } وقال : % ( صفحنا عن بني ذهل % .
وقلنا القوم إخوان .
) % .
والضرب في الأرض : الإبعاد فيها ، والذهاب لحاجة الإنسان . وقال السدي : الضرب هنا السير في التجارة . وقال ابن إسحاق : السير في الطاعات . .
وإذا ظرف لما يستقبل . وقالوا : ماض ، فلا يمكن أن يعمل فيه . فمنهم من جرده عن الاستقبال وجعله لمطلق الوقت بمعنى حين ، فاعمل فيه قال : وقال ابن عطية : دخلت إذا وهي حرف استقبال من حيث الذين اسم في إبهام يعم من قال في الماضي ، ومن يقول في المستقبل ، ومن حيث هذه النازلة تتصور في مستقبل الزمان . قال الزمخشري : ( فإن قلت ) : كيف قيل إذا ضربوا في الأرض مع قالوا ؟ ( قلت ) : هو حكاية الحال الماضية ، كقولك : حين تضربون في الأرض انتهى كلامه . ويمكن إقرار إذا على ما استقر لها من الاستقبال ، والعامل فيها مضاف مستقبل محذوف ، وهو لا بدّ من تقدير مضاف غاية ما فيه أنّا نقدره مستقبلاً حتى يعمل في الظرف المستقبل ، لكنْ يكون الضمير في قوله : لو كانوا عائداً على إخوانهم لفظاً ، وعلى غيرهم معنى ، مثل قوله تعالى : { وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ } وقول العرب : عندي درهم ونصفه . وقول الشاعر : % ( قالت : ألا ليتما هذا الحمام لنا % .
إلى حمامتنا ونصفه فقد .
) % .
المعنى : من معمر آخر ونصف درهم آخر ، ونصف حمام آخر ، ونصف حمام آخر ، فعاد الضمير على درهم والحمام لفظاً لا معنى . كذلك الضمير في قوله : لو كانو ، يعود على إخوانهم لفظاً . والمعنى : لو كان إخواننا الآخرون . ويكون معنى الآية : وقالوا مخافة هلاك إخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى : لو كان إخواننا الآخرون الذين تقدّم موتهم وقتلهم عندنا أي مقيمين لم يسافروا ما ماتوا وما قتلوا ، فتكون هذه المقالة تثبيطاً لإخوانهم الباقين عن الضرب في الأرض وعن الغزو ، وإيهاماً لهم أنْ يصيبهم مثل ما أصاب إخوانهم الآخرين الذين سبق موتهم وقتلهم بالضرب في الأرض والغزو ،