@ 98 @ % ( وكل رفيقي كلّ رحل وإن هما % .
تعاطي القنا قوماً هما أخوان .
) % .
فثنى قوماً لأنه أراد معنى القبيلة . واستزل هنا استفعل لطلب ، أي طلب منهم الزلل ودعاهم إليه ، لأن ذلك هو مقتضى وسوسته وتخويفه ، هكذا قالوه . ولا يلزم من طلب الشيء واستدعائه حصوله ، فالأولى أن يكون استفعل هنا بمعنى أفعل ، فيكون المعنى : أزلهم الشيطان ، فيدل على حصول الزلل ، ويكون استزل وأزل بمعنى واحد ، كاستبان وأبان ، واستبل وأبل كقوله تعالى : { فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا } على أحد تأويلاته . واستزلال الشيطان إياهم سابق على وقت التولي ، أي كانوا أطاعوا الشيطان واجترحوا ذنوباً قبل منعتهم النصر ففروا . وقيل : الاستزلال هو توليهم ذلك اليوم . أي : إنما استزلهم الشيطان في التولي ببعض ما سبقت لهم من الذنوب ، لأن الذنب يجرّ إلى الذنب ، فيكون نظير ذلك بما عصوا . وفي هذين القولين يكون بعض ما كسبوا هو تركهم المركز الذي أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ) بالثبات فيه ، فجرهم ذلك إلى الهزيمة . ولا يظهر هذا لأنَّ الذين تركوا المركز من الرماة كانوا دون الأربعين ، فيكون من باب إطلاق اسم الكل على البعض . وقال المهدوي : ببعض ما كسبوا هو حبهم الغنيمة ، والحرص على الحياة . وذهب الزجاج وغيره إلى أن المعنى : إنْ الشيطان ذكرهم بذنوب لهم متقدمة ، فكرهوا الموت قبل التوبة منها والإقلاع عنها ، فأخروا الجهاد حتى يصلحوا أمرهم ويجاهدوا على حالة مرضية . ولا يظهر هذا القول لأنهم كانوا قادرين على التوبة قبل القتال وفي حال القتال ، ( والتائب من الذنب كمن لا ذنب له ) وظاهر التولي : هو تولي الإدبار والفرار عن القتال ، فلا يدخل فيه من صعد إلى الجبل ، لأنه من متحيز إلى جهة اجتمع في التحيز إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ومن ثبت معه فيها . وظاهر هذا التولي أنه معصية لذكر استزلال الشيطان وعفو الله عنهم . ومن ذهب إلى أن هذا التولي ليس معصية ، لأنهم قصدوا التحصن بالمدينة ، وقطع طمع العدو منهم ، لما سمعوا أن محمداً قد قتل . أو لكونهم لم يسمعوا دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ) { إِلَىَّ عِبَادَ اللَّهِ } للهول الذي كانوا فيه . أو لكونهم كانوا سبعمائة والعدوّ ثلاثة آلاف ، وعند هذا يجوز الانهزام . أو لكونهم ظنوا أن الرسول ما انحاز إلى الجبل ، وأنه يجعل ظهره المدينة . فمذهبه خلاف الظاهر ، وهذه الأشياء يجوز الفرار معها . وقد ذكر تعالى استزلال الشيطان إياهم وعفوه تعالى عنهم ، ولا يكون ذلك فيما يجوز فعله . وجاء قوله : ببعض ما كسبوا ، ولم يجيء بما كسبوا ، لأنه تعالى يعفو عن كثير كما قال تعالى : { وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } فالاستزلال كان بسبب بعض الذنوب التي لم يعف عنها ، فجعلت سبباً للاستزلال . ولو كان معفواً عنه لما كان سبباً للاستزلال . .
{ وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ } الجمهور على أن معنى العفو هنا هو حط التبعات في الدنيا والآخرة . وكذلك تأوله عثمان في محاورة جرت بينه وبين عبد الرحمن بن عوف ، قال له عبد الرحمن : قد كنت تولَّيْتَ مع من تولى يوم الجمع ، يعني يوم أحد . فقال له عثمان : قال الله : ولقد عفا الله عنهم ، فكنت فيمن عفا الله عنه . وكذلك ابن عمر مع الرجل العراقي حين نشده بحرمة هذا البيت : أتعلم أنَّ عثمان فرّ يوم أحد ؟ أجابه : بأنه يشهد أن الله قد عفا عنه . .
وقال ابن جريج : معنى عفا الله عنهم أنه لم يعاقبهم . قال ابن عطية : والفرار من الزحف كبيرة من الكبائر بإجماع فيما علمت ، وعدها رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ( في الموبقات مع الشرك وقتل النفس وغيرهما ) انتهى ولما كان مذهب الزمخشري أن العفو والغفران عن الذنب لا يكون إلا لمن تاب ، وأنَّ الذنب إذا لم يتب منه لا يكون معه العفو ، دسّ مذهبه في هذه الجملة ،