فهذه أحوال الطالب . ولكل من العالم والطالب أحوال أخر لكن هذه أجلها وأشدها حاجة وأعظمها ماسة فإذا قام العالم بتلك الأحوال وقام الطالب بأحواله كان سبب السعادة والفوز .
وعلى فضل العلم والعلماء أدلة كثيرة واسعة تركتها اختصارا .
واعلم أن العلماء تتفاوت مراتبهم وأحوالهم وإن كان قد صدق عليهم مسمى العلم وأحرزوا تلك الأمور والتفاوت إنما هو بقوة الاستنباط وصحة قريحة الاجتهاد فالاجتهاد ملكة تحصل للعالم عند جمعه لتلك العلوم وقد لا تحصل فحصولها متوقف على جمع تلك العلوم ولا يلزم من جمعها حصولها لأنها كالآلة مثل آلة النجار فإنه قد يعرف كيفية النجارة ويتصورها ويجمع آلاتها ولا يمكنه أن يحكم الصناعة كلية ( 1 / 152 ) الإحكام .
فالعالم قد يجمع جميع العلوم وتحصل له تلك الكيفية التي هي الملكة ولا يمكنه العمل بتلك الملكة أو يمكنه العمل في بعض ولا يمكنه العمل الكامل . ولذا كان جماعة من الصحابة Bهم يعرفون جميع ما قام بلسان العرب وعرفوا السنة والكتاب ولم يمكنهم ذلك مثل أبي هريرة وأمثاله وترى ابن عباس من صغار الصحابة وصار بحر الأمة وكانت له اليد الطولى والسهم المعلى وفي كل عصر هكذا فهي عطايا وحظوظ وقد عثر المتأخر على أدلة قد عجز عنها الأوائل وصنع في التصانيف مالا يقدر عليه الأماثل وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء