ثم صنف بعد ذلك قوم برعوا في شيء من العلوم ومنهم من ملأ كتابه بما غلب على طبعه من الفن واقتصر فيه على ما تمهر هو فيه وكان القرآن أنزل لأجل هذا العلم لا غير مع أن فيه تبيان كل شيء .
فالنحوي تراه ليس له إلا الإعراب وتكثير الأوجه المحتملة فيه وإن كانت بعيدة وينقل قواعد النحو ومسائله وفروعه وخلافياته ك : ( ( الزجاج ) ) و : ( ( الواحدي ) ) في البسيط و أبي حيان في : ( ( البحر ) ) و : ( ( النهر ) ) .
والإخباري ليس له شغل إلا القصص واستيفاؤها والأخبار عن سلف سواء كانت صحيحة أو باطلة ومنهم الثعلبي .
والفقيه يكاد يسرد فيه الفقه جميعا وربما استطرد إلى إقامة أدلة الفروع ( 2 / 182 ) الفقهية التي لا تعلو لها بالآية أصلا والجواب عن الأدلة للمخالفين كالقرطبي .
وصاحب العلوم العقلية خصوصا الإمام فخر الدين الرازي قد ملأ تفسيره بأقوال الحكماء والفلاسفة وخرج من شيء إلى شيء حتى يقضي الناظر العجب قال أبو حيان في : ( ( البحر ) ) : جمع الإمام الرازي في تفسيره أشياء كثيرة طويلة لا حاجة بها في علم التفسير ولذلك قال بعض العلماء فيه : كل شيء إلا التفسير وللمبتدع ليس له قصد إلا تحريف الآيات وتسويتها على مذهبه الفاسد بحيث أنه لو لاح له شاردة من بعيد اقتنصها أو وجد موضعا له فيه أدنى مجال سارع إليه كما نقل عن البلقيني أنه قال : استخرجت من : ( ( الكشاف ) ) اعتزالا بالمناقيش منها أنه قال في قوله - سبحانه وتعالى - : ( ( فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز ) ) أي فوز أعظم من دخول الجنة أشار به إلى عدم الرؤية والملحد لا تسأل عن كفره وإلحاده في آيات الله تعالى وافترائه على الله تعالى ما لم يقله كقول بعضهم : ( ( إن هي إلا فتنتك ) ) وما علي العباد أضر من ربهم وينسب هذا القول إلى صاحب قوت القلوب أبي طالب المكي