وقال في الديباجة : أو إن خطر ببالك أن الفنون كثيرة وتحصيل كلها غير يسير ومدة العمر قصيرة وتحصيل آلات التحصيل عسير فكيف الطريق إلى الخلاص عن هذا المضيق ؟ فتأمل فيما قدمت إليك من العلوم اسما ورسما وموضوعا ونفعا فإن سهل عليك تحصيل تلك العلوم كلها فحبذ أو قل : الحمد لله الذي هدانا لهذا لما قال أفلاطون : ما من علم مستقبح إلا والجهل به أقبح . وإن أعجلك الوقت ( 2 / 8 ) .
وخشيت أن تخترمك الشواغل بالفوت فخذ من كل علم أحسنه وإن اختلج في صدرك أن الأغراض مختلفة في أمر العلوم وتتفاوت في الميل إليها الطباع والفهوم وتتباين في استحسانها العادات والرسوم حتى يعد طائفة من قبل الجنون تحصيل ما عند الآخرين من الفنون إذ كل حزب بما لديهم فرحون فتأمل قول من قال : .
كل العلوم سوى القرآن مشغلة ... إلا الحديث وإلا الفقه في الدين .
العلم ما كان فيه قال حدثنا ... وما سواه فوسواس الشياطين .
وقد قيل : .
جميع العلم في القرآن لكن ... تقاصر عنه أفهام الرجال .
وبالجملة أحسن العلوم ما سأل عنه جبريل عليه السلام نبينا - A - حين سأل أولا عن الإيمان ثم عن الإسلام ثم عن الإحسان والحديث والتفسير أم لهذه العلوم وأصول لها وإليها ينتهي مدارها . انتهى حاصله .
قلت وفي الحديث عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله - A - ( ( العلم ثلاثة : آية محكمة أو سنة قائمة أو فريضة عادلة وما كان سوى ذلك فهو فضل ) ) . رواه أبو داود وابن ماجة .
ومعنى فضل زائد لا ضرورة فيه : .
أحب حديث المصطفى وأوده ... وادرسه عمري واضبط كتبه .
وذلك عند المصطفى لي شاهد ... تجلى له والمرء مع من أحبه .
قف اخترنا في هذا الكتاب الترتيب الذي اختاره صاحب ( ( كشف الظنون ) ) لكونه سهل التناول . ( 2 / 9 ) .
ولم نجد لابن خلدون ترتيبا في ذكر العلوم نعم رتب صاحب ( ( مدينة العلوم ) ) كتابه على ترتيب غير ترتيب حروف المعجم وذكر في المقدمة حصر العلوم على الإجمال كما تقدم نقله وتكلم في الكتاب على سبع دوحات كل منها في بيان أصل من الأصول السبعة