رُبَّهُ رَجُلاً ورُبَّهَا امْرَأَةً أَضْمَرَتْ فيها العَرَبُ على غير تقدمِ ذِكرٍ ثم أَلْزَمَتْهُ التَّفْسِيرَ ولم تَدَعْ أَنْ تُوَضِّحَ ما أَوقعت به الالتباسَ ففسره بذكرِ النوعِ الذي هو قولهم : رَجُلاً وامْرَأَةً كذا في لسان العرب أَو اسمٌ وهو مذهب الكوفيينَ والأَخفشِ في أَحَدِ قَوْلَيْهِ ووافقهم جماعةٌ قال شيخُنَا : وهو قول مردودٌ تعرَّضَ لإِبطاله ابنُ مالك في التسهيل وشرحه وأَبْطَلَه الشيخ أَبو حَيّانَ في الشرح وابن هشامٍ في المُغْنِي وغيرُهم وقِيل : كَلمة تَقلِيلٍ دائماً خلافاً للبعض أَو في أَكثرِ الأَوقاتِ خلافاً لقومٍ أَو تَكْثِيرٍ دائماً قاله ابن دُرُسْتَوَيْهِ أَو لَهُمَا في التهذيب : قال النحويونَ رُبَّ مِنْ حُرُوف المَعَانِي والفَرْقُ بَيْنَها وبينَ كَمْ أَن رُبَّ للتقليلِ وكمْ وُضِعَت للتكثيرِ إذا لم يُرَدْ بها الاستفهام وكلاهُمَا يقع على النَّكِرَاتِ فيخفضها قال أَبو حاتمٍ : من الخطإِ قول العَامَّةِ : رُبَّمَا رَأَيْتهُ كَثِيراً ورُبَّمَا إنَّمَا وُضِعَتْ للتقليل وقال غيرُه : رُبَّ ورَبَّ ورُبَّةَ كلمة تقليلٍ يُجَرُّ بها فيقال : رُبّ رجلٍ قائمٌ ورَبّ رجُلٍ وتدخل عليها التاءُ فيقال : رُبَّتَ رجل وَرَبَّتَ رَجلٍ وقال الجوهريّ : وتدخل عليه ما ليمكن أن يتكلم بالفعل بعده فيقال : رُبَّمَا وفي التنزيل العزيز " رُبَمَا يَوَدُّ الذينَ كفروا " وبعضهم يقول : رَبما بالفَتْحِ وكذلك رُبَّتَمَا وَرَبَّتَمَا ورُبَتَما ورَبَتَمَا والتثقيل في كلّ ذلك أَكثرُ في كلامهم ولذلك إذا حَقَّرَ سيبويه رُبَّ من قوله تعالى " رُبَمَا يَوَدُّ رَدَّهُ إلى الأَصْلِ فقال : رُبَيْبٌ قال اللِّحْيَانيّ قَرَأَ الكسائيّ وأَصحابُ عبدِ الله والحَسَن " رُبَّمَا يَوَدُّ بالتثقيل وقرأ عاصمٌ وأهل المدينة وزِرُّ بن حُبَيْشٍ " رُبَمَا يَوَدُّ " بالتخفيف قال الزّجّاج : مَنْ قَالَ إنَّ رُبَّ يُعْنَى بها التَّكْثِيرُ فهو ضِدُّ مَا تَعْرِفهُ العَرَب فإنْ قَالَ قائِلٌ : فَلِمَ جَازَتْ رُبَّ في قوله " رُبَمَا يَوَدُّ الذينَ كَفَرُوا " ورُبَّ للتقليل فالجَوَابُ في هذا أَنَّ العربَ خوطِبت بما تَعْلَمُه في التهديدِ والرجل يَتَهَدَّدُ الرجلَ فيقول له لعَلّك سَتَنْدَم عَلَى فِعْلِكَ وهو لا يشكُّ في أَنه يَنْدَم ويقول : رُبَّمَا نَدِمَ الإِنسانُ من مثلِ ما صَنَعْت وهو يعلمُ أَن الإِنسانَ يندمُ كثيراً قال الأَزهريّ : والفَرْقُ بين رُبَّمَا ورُبَّ أَنَّ رُبَّ لا يَلِيهِ غيرُ الاسمِ وَأَمَّا رُبَّمَا فإنه زِيدَت مَا مَع رُبَّ لِيَلِيَهَا الفِعْلُ تقولُ رُبَّ رجُلٍ جَاءَنِي ورُبَّمَا جَاءَنِي زَيْدٌ ورُبَّ يَوْمٍ بَكَّرْتُ فيه ورُبَّ خَمْرَةٍ شَرِبْتُهَا وتقول : رُبَّمَا جَاءَنِي فلانٌ ورُبَّمَا حَضَرَنِي زَيْدٌ وأَكْثَرُ ما يَلِيهِ الماضي ولا يَليهِ من الغابرِ إلاَّ مَا كانَ مُسْتَيْقَناً كقوله " رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كفَرُوا " وَوَعَدُ اللهِ حَقٌّ كَأَنَّه قد كان فهو بمعنى ما مَضَى وإن كان لفظُه مُسْتَقْبَلاً وقد تَلِي رُبَّمَا الأَسْمَاءُ وكذلك رُبَّتَمَا وقال الكسائيُّ يَلَزَمُ مَنْ خَفَّفَ فأَلْقَى أَحدَ البَاءَيْنِ أَن يقولَ : رُبْ رَجُلٍ فَيُخْرِجَه مُخْرَجَ الأَدَوَاتِ كما تقول : لِمَ صَنَعْتَ ولِمْ صَنَعْتَ وقالَ : أَظُنُّهُمْ إنَّمَا امْتَنَعُوا مِنْ جَزْمِ البَاءِ لكَثْرَةِ دُخُولِ التاءِ فيها في قولهم رُبَّتَ رَجُلٍ ورُبَتَ رَجُلٍ يريدُ الكسائيّ أَن تَاءَ التأْنيثِ لا يكونُ ما قَبْلَهَا إلا مفتوحاً أَو في نِيَّةِ الفَتْحِ فَلَمَّا كانت تاءُ التأْنِيثِ تدخلُهَا كثيراً امتنعوا من إسْكَانِ ما قَبلَ هاءِ التأْنيثِ فآثَروا النَّصْبَ يعنِي بالنَّصْبِ الفَتْحَ قال اللِّحْيَانيُّ : وقال لي الكسائيّ : إنْ سَمِعْتَ بالجَزْمِ يَوْماً فَقَدْ أَخْبَرْتُكَ يُرِيدُ إنْ سَمِعْتَ أَحَداً يقولُ : رُبْ رَجُلٍ فَلاَ تُنْكِرْهُ فإنَّهُ وَجْهُ القِيَاسِ قال اللِّحْيَانيّ : ولَمْ يَقْرَأْ أَحَدٌ رَبَّمَا بالفَتْحِ وَلاَ رَبَمَا كذا في لسان العرب أَوْ في مَوْضِعِ المُبَاهَاةِ والافْتِخَارِ دونَ غيره للتَّكْثِيرِ كما ذَهب إليه جماعةٌ من النحويينَ أَوْ لمْ تُوضَعْ