قال : فالفِعْلُ في كلّ هذا مبتدأٌ مسندٌ إليه أو مفعولٌ مسندٌ إليه الفعل الذي لمْ يُسَمَّ فاعِلُه . وما قاله هذا القائلُ فاسِدٌ لأن الفِعْلَ في كلامِهم إنما وضعَ للإخبارِ به لا عنه . وما ذكره يمكن أن يُردَّ إلى الأَصلِ الذي هو الإِخبارُ عن الاسم بأَن تُقَدَّر في الكلامِ أَن محذُوفَةً للعِلْم بها فتقديرُ ذلك كُلِّه : أن تَسْمَعَ بالمُعِيدِيِّ خَيْرٌ من أَن تَرَاه . ومن آيَاتِه أَن يُريَكُم البَرْقَ . وحَقَّ لِمِثْلِي أَن يَجْزَعَ . وأَنْ وما بعَدَها في تَأْويل اسمٍ فيكون ذلك إذا تُؤوِّلَ على هذا الوَجْهِ من الإخبارِ عن الاسمِ لا من الإخبار عن الفِعْلِ . كذا في شرح شيخِنا . قال أبو جعفر : ورويَ من عَنْ تَرَاه قاله الفراءُ في المصادر يعني أَنه ورد بإِبدال الهمزةِ في أَنْ عيناً فقيل عن بدل أَن وهي لغةٌ مشهورةٌ كما جَزَمَ به الجماهِيرُ . أَو المثلُ " تَسْمَعُ بالمُعَيْديِّ لا أن ترَاهُ " بتجريد تسمعُ من أَنْ مرفوعاً على القياس ومنصوباً على تَقدِيرها وإِثبات لا العاطِفةِ النافيةِ وأَنْ قبْلَ : تراه وهي الرِّواية الثانية . وقد صحَّحها كثيرون . ونقل أَبو جَعْرٍ عن الفَرَّاءِ قال : وهي في بَني أَسَدٍ وهي التي يَختارُها الفصحاءُ . وقال ابنُ هشامٍ اللَّخْمِيُّ : وأَكثرُهم يقول : لا أَنْ تراه . وكذلك قاله ابن السِّكِّيت . قال الفَرَّأءُ : وقَيْسٌ تقول : لأَنْ تَسمعَ بالمُعَيْدِيِّ خيرٌ من أَن تراه وهكذا في الفصيح . قال التّدْمريُّ فاللام هنا لامُ الابتداءِ وأَن مع الفِعْلِ بتأْوِيلِ المصدر في موضعِ رَفْعٍ بالابتداءِ . والتقديرُ : لِسَمَاعُكَ بالمُعيِدِيِّ خيرٌ من رُؤيَتِهِ . فسَمَاعُكَ : مبتدَأٌ . وخيرٌ : خَبَرٌ عنه . وأَن تراه : في موضعِ خَفْضٍ بِمِنْ . قال : وفي الخَبَرِ ضميرٌ يعود على المصدرِ الذي دَلَّ عليه الفِعْلُ وهو المبتدأُ كما قالوا : من كذب كان شرّاً له . يضْربُ فيمن شُهِرَ وذُكِرَ وله صِيتٌ في الناس وتُزْدَرَي مَرْآتُهُ أَي يُسْتَقْبَحُ مَنْظَرُه لِدَمَامَيِهِ وحقَارَتِهِ أَو تأْويلُهُ أمرٌ قالهُ ابن السِّكِّيت أَي اسْمَعْ بهِ ولا تَرَهُ . وهذا المَثَلُ أَوردَهُ أَهل الأمثال قاطِبَةً : أَبو عُبَيْدٍ أَوَّلاً . والمُتَأَخِّرُون كالزَّمَخْشَرِيِّ والمَيْدانِيِّ . وأَورده أَبو العَبّاسِ ثَعْلَبٌ في الفَصِيح بروايتَتَيْهِ وبَسطه شُرَّاحُه . وزادوا فيه . قال سيبويْه : يُضْرَب المَثَلُ لمن تَراه حَقِيراً وقَدْرُه خَطِيرٌ . وخَبَرُه أَجَلُّ من خُبْرِه . وأَوّلُ من قاله النُّعمانُ بن المنذر أو المُنْذِرُ بن ماء السماء . والمُعَيْديُّ رجلٌ من بني فِهْرٍ أو كِنانةَ واختُلِفَ في اسمِهِ : هل هو صَقْعَب بن عَمْرٍو أَو شِقَّة بن ضَمْرةَ أَو ضَمْرَة التَّمِيمِيّ وكان صَغِيرَ الجُثَّةِ عَظِيم الهَيْئةِ . ولَمَّا قِيل له ذلك قال : أَبَيْتَ اللَّعْنَ إِنَّ الرجالَ ليسُوا بِجُزُرٍ يُرادُ بها الأَجسام وإِنَّما المرءُ بأَصْغَرَيْهِ . ومثله قال ابن التّيانيّ تبعاً لصاحب العَيْن وأبو عُبَيْدٍ عن ابن الكَلْبِيِّ والمفضَّل . وفي بعضِها زياداتُ على بعضٍ . وفي رواية المفضَّل : فقال له شِقَّة : أَبيتَ اللَّعْن : إِنَّمَا المرءُ بِأَصْغَرَيْهِ : لسانِهِ وقَلْبِهِ إذا نَطَق نَطَق ببَيَان وإذا قاتَلَ قاتل بِجَنان . فعَظُم في عَيْنِه وأَجزل عَطِيَّتَه . وسَمَّاه باسمِ أَبيه فقال له : أَنتَ ضَمْرةُ بنُ ضَمْرَةَ . وأَورده العلاَّمة أَبو عليٍّ اليوسيّ في زَهر الأَكم بأَبْسَطَ من هذا وأَوضَحَ الكلامَ فيه . وفيه : أَن هذا المثلَ أَولَ ما قِيلَ لخَيْثَم بنِ عَمْرٍو النَّهْديّ المعروفِ بالصّقعَب الذي ضُرب به المثَلُ فقيل : أَقْتَلُ مِن صَيْحَةِ الصَّقْعَب . زَعَمُوا أن صاحَ في بطن أمه وأنه صاحب بقومٍ فهلكوا عن آخرِهم . وقيل : المثلُ للنعمانِ بن ماء السماء قاله لشِقّة بن ضَمْرة التّميميّ . وفيه : فقال شِقّة : أَيُّها الملِكُ إِنَّ الرجالَ لا تُكال بالقُفْزَان ولا تُوزَن بالمِزَأن . وليست بمُسوكٍ ليُسْتَقَى فيها الماءُ . وإنما المرءُ بأَصْغَرَيْه : قَلْبِه ولِسَانِه إِن قال قال بِبَيان وإن صالَ صال بجَنان : فأَعْجَبَهُ ما سَمِعَ منه . قال أَنت ضَمْرَةُ بن ضَمْرَةَ . قال شيخنا : قالوا : لم يَر الناسُ