قال ابن بَرّيّ : هذا وَهَمٌ لأَنّ انْتَصَح بمعنَى قبِلَ النصيحةَ لا يَتعدّى لأَنّه مطاوعُ نَصحتُه فانتَصَح كما تقُول رَدْتُه فارْتَدّ وسدَدْته فاستَدّ ومدَدْته فامتدّ فأَمّا انتصَحْتُه بمعنَى اتَخذْته نَصيحاً فهو متعدٍّ إِلى مفعول فيكون قوله انتصِحْني إِنّني لك ناصح بمعنَى اتَّخِذْني ناصحاً لك ومنه قولهم : لا أُريد منك نُصْحاً ولا انْتِصَاحاً أَي لا أُريد منك أَن تَنْصَحنِي ولا أَن تتّخذني نَصِيحاً فهذا هو الفَرْق بين النُّصح والانتصاح . والنُّصْح مصدر نَصَحْته والانتصاح مصدر انتَصَحْتُه أَي اتخذْتُه نَصيحاً أَو قَبِلْت النَّصِيحَة فقد صار للانتصاح معنيانِ . ومِن المجاز : نَصَحَتْ تَوْبَتُهُ نًصُوحاً التَّوْبَةُ النَّصُوحُ هي الصَّادقةُ . قال أَبو زيد : نَصَحْته أَي صَدَقْته . وقال الجوهَرِيّ : هو مأْخُوذ من نَصَحْت الثَّوْبَ إِذا خِطْته اعتباراً بقوله صلّى اللّه عليه وسلّم : " من اغتابَ خَرَقَ ومن استغفَرَ اللّه رَفَأَ " . أَو التَّوْبة النَّصوح : الخَالِصَة وهي أَنْ لا يَرجِعَ العَبْدُ إِلى ما تَابَ عَنْهُ . وفي حديث أُبَيّ : سأَلتُ النّبيّ صلَّى اللّه عليه وسلَّم عن التّوبَة النَّصُوح فقال : " هي الخالِصَةُ التي لايُعَاوِدُ بَعْدَها الذّنْب " . وفَعولٌ من أَبنية المبالغة يَقع على الذّكر والأُنثَى فكأَنّ الإِنسانَ بالغَ في نُصْح نفْسِه بها . وقال أَبو إِسحاقَ : تَوْبَة نَصُوحٌ : بَالغةٌ في النُّصْح أَوْ هي أَن لايَنْوِيَ الرُّجُوعَ ولا يُحدِّث نَفْسَه إِذا تَاب من ذلك الذَّنب العَوْدَ إِليه أَبداً . قال الفرّاءُ : قرأَ أَهل المدينة نَصوحاً بفتح النّون . فالذين قَرَءُوا بالفتح جعلوه من صفة التَّوبَة والذين قرءُوا بالضّمّ أَرادوا المصدر مثل القُعود . وقال المفضّل : بات عَزُوباً وعُزُوباً وعَرُوساً وعُرُوساً . وسَمَّوْا ناصِحاً ونَصيحاً ونَصَّاحاً . ومما يستدرك عليه : انتصح : ضِدّ اغتشَّ . ومنه قول الشاعر : .
أَلاَ رثبَّ مَن تَغْتَشُّه لك ناصِحٌ ... ومُنتصِحٍ بادٍ عليكَ غوائلُه تَغْتَشُّه : تَعتدُّه غاشًّا لك . وتَنتصِحه : تَعتدّه ناصحاً لك . واستنصَحَه : عَدَّه نَصيحاً . والتَّنصُّح : كثرةُ النُّصْح . ومنه قول أَكثَمَ بن صَيفيّ : إِيّاكم وكَثرةَ التَّنصُّح فإِنّه يُورِث التُّهَمَة . ونَاصَحَه مُناصَحَةً . ومن المجاز غُيوُثٌ نواصِحُ : مُترادِفةٌ كما في الأَساس .
نضح