وفي حديث اللِّعَان أَنَّ النَّبيّ صلّى اللّه عليه وسَلّم قال في وَلدِ الملاعَنة : إِنْ جاءَتْ به مَمْسُوحَ الأَلْيتيْن قال شَمِرٌ : الّذي لَزِقَتْ أَلْيَتاه بالعَظْمِ ولم يَعْظُما . وقيل : وبه سُمِّيَ المسيحُ الدّجّال لأَنّه معيوب بكلِّ عَيبٍ قبيحٍ . والمَسيحُ : عِيسَ بن مَرْيمَ صَلَّى اللّه تَعَالى عَلَيْه وعلى نبيِّنَا وسَلَّم لبَرَكَتِهِ أَي لأَنّه مُسِحَ بالبَرَكَة قاله شَمرٌ وقد أَنكَره أَبو الهيثَمِ كما سيأْتي أَو لأَنَّ جبريلَ مَسَحه بالبَركة وهو قوله تعالى : " وجَعَلَني مُبَارَكاً أَيْنَمَا كُنْتُ " ولأَنّ اللّه مَسَحَ عنه الذُّنوبَ . وهذانِ القَولانِ من كتاب دلائل النُّبوّة لأَبي نُعَيم : وقال الرَّاغب : سُمِّيَ عيسَى بالمسيح لأَنّه مُسِحَت عنه القُوَّةُ الذّميمةُ من الجَهْل والشَّرهِ والحِرصْ وسائر الأَخلاقِ الذَّمِيمة كما أَنَّ الدَّجَّال مُسِحَت عنه القُوَّة المحمودةُ من العِلْم والعَقْلِ والحلْم والأَخْلاق الحَميدة . وذَكَرْتُ في اشتقاقه خَمسين قَولاً في شَرْحِي لمَشَارِقِ الأَنوَارِ النَّبَوِيَّة للصاغَانيّ . وشَرحُه المسمَّى بشوارِقِ الأَسْرَارِ العليّة وليس بمَشارِقِ القاضي عياضٍ كما تَوهَّمَه بعضٌ . وسبق للمَصنّف كلامٌ مثل هذا في ساح وذَكرَ هناك أَنَّه أَوردَهَا في شرْحه لصحيح البخاريّ فلعلَّه المراد من قوله وغَيْرِهِ كما لا يَخفَى . قلت : وقد أَوصلَه المصنّف في بصائر ذوي التمييز في لطائف كتاب اللّه العزيز مجلدان إِلى ستّة وخمسين قولاً منها ما هو مذكور هنا في أَثناءِ المادّة وقد أَشرْنا إِليه ومنها ما لم يَذكره . وتأْليف هذا الكِتاب بعد تأْليف القاموس لأَني رأَيتُه قد أَحالَ في بعض مواضِعه عليه . قال فيه : واختُلِف في اشتقاق المسيح في صِفة نَبيّ اللّه وكَلمته عيسَى وفي صِفة عدوّ اللّه الدّجّال أَخزاه اللّه على أَقْوالٍ كثيرة تنِيف على خمسين قولاً . وقَال ابن دِحْيَةَ الحافظُ في كتابه مَجمع البَحْرَيْن في فوائد المَشرقَيْنِ والمَغربَين : فيها ثلاثةٌ وعشرون قَولاً ولم أَرَ مَنْ جَمعها قَبْلي مَّمن رَحَلَ وجالَ ولقِيَ الرِّجَال . انتهى نص ابن دِحيَةَ . قال : الفَيْروز آباذى : فأَضَفْت إِلى ما ذكَره الحافظ من الوجوه الحَسَنة والأَقوالِ البديعة فتمّتْ بها خمسون وَجْهاً . وبيانه أَنَّ العلماءَ اختلفوا في اللفظة هل هي عربيّة أَم لا . فقال بعضهم : سريانيّة وأَصلُهَا مَشيحا بالشين المعجمة فعرّبتها العرب وكذا ينطِق بها اليهود قاله أَبو عُبيد وهذا القول الأَوّل . والذين قالوا إِنّها عربيّة اختلفوا في مادّتها فقيل : من سيح وقيل : من مسح ثم اختلفوا فقال الأَوّلون مَفْعِل من ساح يسيح لأَنّه يَسِيح في بُلدَانِ الدُّنْيا وأَقْطَارِهَا جميعِها أَصُلها مَسْيِح فأُسْكِنَت الياءُ ونُقِلتْ حَركَتها إِلى السين لاستثقالهم الكسرةَ على الياءِ وهذا القولُ الثانيّ وقال الآخرون : مَسيحٌ مُشتقٌّ من مَسَحَ إِذا سارَ في الأَرض وقَطَعها فَعيل بمعنَى فاعِل . والفريق بين هذا وما قبله أَنَّ هذا يَختصّ بقَطْع الأرضِ وذاك بقَطْع جميعِ البلادِ وهذا الثالث . ثم سَردَ الأَقوالَ كلَّهَا ونحن قد أَشرْنا إِليها هنا على طريق الاستيفاءِ ممزوجَةً مع قول المصنّف في الشّرْح وما لم نَجِدْ لها مناسَبَة ذكرناهَا في المستدركات لأَجل تَتميم القصود وتَعميم الفائدة . والمَسِيح : الدَّجَّالُ لشُؤْمِهِ ولا يجوز إِطلاقُه عليه إِلاّ مقيَّيداً فيقال المَسيحُ الدَّجّال وعند الإِطلاق إِنما يَنصرف لعيسَى عليه السلامُ كما حَقَّقه بعضُ العلماءِ . أَو هُوَ أَي الدّجّال مِسِّيح كَسِكِّينٍ رواه بعض المحَدِّثين . قال الأَثيرِ : قال أَبو الهَيثم : إِنّه الذي مُسِحَ خَلْفُه أَي شُوِّهَ . قال : وليس بشيْءٍ . والمَسِيح والمَسيحة : القِطْعَةُ من الفِضَّةِ عن الأَصمعيّ قيل : وبهُ سُمِّيَ عيسَى عليه السلامُ لحُسْنِ وَجْهه . ذكرَه ابن السِّيد في الفرق . وقال سَلَمة بن الخُرشُب يصف فرساً : .
تَعَادَى من قَوائمها ثَلاثٌ ... بتَحْجِيلٍ وَوَاحدةٌ بَهيمُ .
كأَنّ مَسِيحَتيْ وَرِقٍ عليها ... نَمَتْ قُرْطَيهما أُذُنٌ خذِيمُ