وخلقه الله D مع من دربه عليه بل نقر بهذا كما نقر بأن الله خلقنا في مكان ما في صناعة ما وعلى معاش ما وعلى خلق ما وليس في ذلك دليل عند أحد من العالم على أنه لا يجوز له فراق ذلك الخلق إلى ما هو خير منه ولا على أنه لزمه لزوم المكان الذي خلق فيه والصناعة التي نشأ عليه والقوت الذي كبر عليه بل لا يختلف اثنان في أن له مفارقة ذلك المكان وتلك الصناعة وذلك المعاش إلى غيره وأن فرضا عليه لزوال عن كل ذلك إذ كان مذموما إلى المحمود من كل ذلك وأيضا فإن جميع الأديان التي أوجبها كلها هذا القائل وحقق جميعها فكل دين منها فيه إنكار غيره منها وأهل كل دين منها تكفر سائر أهل تلك الأديان وكلهم يكذب بعضهم بعضا وفي كل دين منها تحريم التزام غيره على كل أحد فلو كان كل دين منها لازما أن يعتقده من نشأ عليه لكان كل دين منها حقا وإذا كان كل دين منها حقا منها يبطل سائرها وكل ما أبطله الحق فهو باطل بلا شك فكل دين منها باطل بلا شك فوجب ضرورة على قول هذا القائل أن جميع الأديان باطل وأن جميعها حق فجميعها حق باطل معا فبطل هذا القول بيقين لا شك فيه والحمد لله رب العالمين وأما من قال أني ألزم فعل الخير الذي اتفقت الديانات والعقول على أنه فضل واجتنب ما اتفقت الديانات والعقول على أنه قبيح فقول فاسد مموه مضمحل أول ذلك أنه كذب ولا اتفقت الديانات ولا العقول على شيء من ذلك بل جميع الديانات إلا الأقل منها مجموعون على قتل من خالفهم وأخذ أموالهم وكل دين منها لا يحاشى دينا قاتل بأحكام هي عند سائرها ظلم وأما الثانية فإنها وأن لم تقل بالقتل فإنها تقول بترك النكاح الذي هو مباح عند سائر الديانات ويقولون بإباحة اللياطة والسحق وسائر الديانات محرمة لذلك فما اتفقت الديانات على شيء أصلا ولا على التوحيد ولا على إبطاله لكن اتفقت الديانا على تخطئته وتكفيره والبراءة منه إذا لم يعتقد دينا فبيناه بطلب موافقة جميع الديانات حصل على مخالفة جميعها وهكذا فليكن السعي المضلل وكذلك طبائع جميع الناس مؤثرة للذات كارهة لما يلتزمه أهل الشرائع والفلاسفة فبطل تعلقهم بشيء مجمع عليه ولم يحصل إلا على طمع خائب مخالفا لجميع الديانات غير متعلق لدليل لا عقلي ولا سمعي وقد قلنا أن العقول لا توجب شيئا ولا تقبحه ولا تحسنه وبرهان ذلك أن جميع أهل العقول إلا يسيرا فإنهم أصحاب شرائع وقد جاءت الشرائع بالقتل وأخذ المال وضرب الإنسان وذبح الحيوان فما قال قط أصحاب العقول أنها جاءت بخلاف ما في العقول ولا ادعى ذلك إلا أقل الناس ومن ليس عقله عيارا على عقل غيره ولو كان ذلك واجبا في العقول لوجده سائر أهل العقول كما قالوا هم سواء سواء فصح أن دعواهم على العقول كاذبة في باب التقبيح والتحسين جملة وهذا أكسر عام لنفس أقوالهم والحمد لله رب العالمين .
ثم نذكر إن شاء الله تعالى البراهين على إبطال حججهم الشغبة المموه بها وبالله تعالى نتأيد .
قال أبو محمد أما احتجاجهم بأن قالوا وجدنا أهل الديانات والآراء والمقالات كل طائفة تناظر الأخرى فتنتصف منها وربما غلبت هذه في مجلس ثم غلبتها الأخرى في مجلس آخر على حسب قوة المناظر وقدرته على البيان والتحيل والشغب فهم في ذلك كالمتحاربين يكون الظفر سجالا بينهم فصح أنه ليس ههنا قول ظاهر الغلبة ولو كان ذلك لما أشكل على أحد ولا اختلاف الناس فيه كما لم يختلفوا فيما أدركوا بحواسهم وبداية عقولهم وكما هم يختلفوا في الحساب وفي كل شيء عليه برهان لائح واللائح الحق على مرور الزمان وكثرة البحث وطول المناظرات قالوا ومن المحال أن يبدو الحق إلى الناس ظاهرا فيعاندوه بلا معنى ويرضوا بالهلاك في الدنيا والآخرة بلا سبب قالوا فلما بطل هذا أن كل طائفة تتبع أما