ما نشأت عليه وأما ما يخيل لأحدهم أنه الحق دون تثبيت ولا يقين قالوا وهذا مشاهد من كل ملة ونحلة وإن كان فيها ما لا يشك في بطلانه وسخافته .
قال أبو محمد هذه جمل نحن نبين كل عقده منها ونوفيها حقا من البيان بتصحيح او إفساد بما لا يخفى على احد صحته وبالله تعالى التوفيق أما قولهم أن كل طائفة من أهل الديانات والآراء يناظر فينتصف وربما غلبت هذه في مجلس ثم غلبتها الأخرى في مجلس آخر على قدر قوة المناظر وقدرته على البيان والتحيل والشغب والتمويه فقول صحيح إلا أنه لا حجة لهم فيه على ما دعوه من تكافؤ الأدلة أصلا لأن غلبة الوقت ليست حجة ولا يقنع بها عالم محقق وإن كانت له ولا يلتفت إليها وإن كانت عليه وإنما نحتج بها ويغضب منها أهل المحرفة والجهال واهل الصباح والتهويل والتشنيع القانعون بأن يقال غلب فلان فلانا وأن فلانا لنظار جدال ولا يبالون بتحقيق حقيقة ولا بإبطال باطل فصح أن تغالب المتناظرين لا معنى له ولا يجب أن يعتد به لا سيما تجادل أهل زماننا الذين أما لهم نوب معدودة لا يتجاوزوزنها بكلمة وأما أن يغلب الصليب الرأس بكثرة الصياح والتوقح والتشنيع والجعات وأما كثير الهدر قوى على أن يملأ المجلس كلاما لا يتحصل منه معنى وأما الذي يعتقده أهل التحقيق الطالبون معرفة الأمور على ما هي عليه فهو أن يبحثوا فيما يطلبون معرفته على كل حجة احتج بها أهل فرقة في ذلك الباب فإذا نقضوها ولم يبقوا منها شيئا تأملوها كل حجة حجة فميزوا الشغبي منها والإقناعي فاطرحوهما وفتشوا البرهاني على حسب المقدمات التي بيناها في كتابنا الموسوم بالتقريب في مائية البرهان وتمييزه مما يظن أنه برهان وليس ببرهان وفي كتابنا هذا وفي كتابنا الموسوم بالأحكام في أصول الأحكام فإن من سلك تلك الطريق التي ذكرنا وميز في المبدأ ما يعرف بأول التمييز والحواس ثم ميز ما هو البرهان مما ليس برهانا ثم لم يقبل الأماكن برهانا راجعا رجوعا صحيحا ضروريا إلى ما أدرك بالحواس أو ببديهة التمييز وضرورة في كل مطلوب يطلبه فإن سارع الحق يلوح له واضحا ممتازا من كل باطل دون أشكال والحمد لله رب العالمين وأما من لم يفعل ما ذكرنا ولم يكن كده إلا نصر المسألة الحاضرة فقط آو نصر مذهب قد ألفه قبل أن يقوده إلى اعتقاده برهان فلم يجعل غرضه إلا طلب أدلة ذلك المذهب فقط فبعيد عن معرفة الحق عن الباطل ومثل هؤلاء غروا هؤلاء المخاذيل فظنوا أن كل بحث ونظو مجراهما هذا المجرى الذي عهدوه ممن ذكرونا فضلوا ضلالا بعيدا وأما قولهم فصح أنه ليس ها هنا قول ظاهر الغلبة ولو كان ذلك لما أشكل على احد ولما اختلف الناس فيه كما لم يختلفوا فيما أدركوه بحواسهم وبداية عقولهم وكما لم يختلفوا في الحساب وفي كل ما عليه برهان لايح فقول أيضا مموه لأنه كله دعوى فاسدة بلا دليل وقد قلنا قبل في إبطال هذه الأقوال كلها بالبرهان بما فيه كفاية وهذا لا يمكن فيه تفصيل كل برهان على كل مطلوب لكن نقول جملة أن من عرف البرهان وميزه وطلب الحقيقة غير مايل بهوى ولا الف ولا نفار ولا كسل فمضمون له تمييز الحق وهذا كمن سأل عن البرهان على أشكال إقليدس فإنه لا أشكال في جوابه عن جميعها بقول مجمل لكن يقال له سل عن شكل شكل تخبر ببرهانه أو كمن سأل ما النحو وأراد أن يوقف على قوانينه جملة فإن هذا لا يمكن بأكثر من أن يقال له هو بيان حركات وحروف يتوصل باختلافها إلى معرفة مراد المخاطب باللغة العربية ثم لا يمكن توقيفه على حقيقة ذلك ولا إلى إثباته جملة إلا بالأخذ معه في مسألة مسألة وهكذا في هذا المكان الذي نحن فيه لا يمكن أن نبين جميع البرهان على كل مختلف فيه بأكثر من أن يقال له سل عن مسألة مسالة نبين لك برهانا يحول الله تعالى وقوته ثم تقول